أنوار الزين من كولومبيا يكتب “الصلح خير”

أنوار الزين من كولومبيا يكتب “الصلح خير”

لكل قصة بداية، و ليس لحب حقيقي نهاية…
تعمدت أن لا أقرأ شيء عن كولومبيا، حتى أترك لسذاجتي حلاوة الاستكشاف. العالم أصبح قرية، و المعلومة المتوفرة على الانترنت غالبا ما تكون مسخرة لخدمة صاحبها، مصدرها الموثوق، أو لخدمة الخصوم…
في العاصمة بوكوطا، تجاور المباني الحديثة، ذات العلو المتوسط، أخرى تحمل أثر السنين و لهجة العمران اللاتيني: الألوان الحية، أغلبها قريب للأحمر، علو منخفض، واجهات تخدع ببساطتها قبل أن تفصح عن مهارة أيادي كولومبيا في ترويض الخشب و الحديد والزجاج و الفخار. ليس من الصعب أن تفهم معمار بوكوطا: شوارع كبيرة مرقمة يسمونها “كاريرا”، تقاطعها شوارع أقل اتساعا، مرقمة أيضا، يسمونها “كال”. تبدأ العناوين برقم الكاريرا، يتلوها رقم الكال تم رقم البناية.
في الطريق من المطار إلى الفندق، يعيش السائق أغرب لحظات حياته و هو يحاول فهم اللغة اللتي أنطق بها، بينما يتكلم هو في إسبانية سليمة. و لأننا نحن معشر السياسيين نحاول أن نفهم نفس الأمور، لنأتي في وقت الحملات لنعيد نفس الوعود، فهمت سريعا أن الدخل محدود في بوكوطا، يلزم على الزوجين معا أن يزاولا عملا قارا للتغلب على ظروف الحياة. يقول السائق أن الحياة مكلفة. التمدرس بالمجان، لكنه رديء. التعليم الخاص جيد، لكنه باهض. نفس الأمر بالنسبة للتطبيب، المستشفى العمومي عنوان لسوء الخدمات و التطبيب الخاص يكلف الكثير. ساكنة بوكوطا تتجاوز العشر ملايين و لا أثر للمترو. تتشكل المدينة من تجمعات سكنية متفرقة حول مركز تاريخي. تتغير فجأة لكنة السائق من الشكوى إلى الافتخار حين يوجه أصبعه للسماء: انظرا، هذا منتزه بوكوطا، مائة هكتار من النباتات و الأشجار، هنا يلعب الأطفال و الكبار، هنا تحلق مئات هوائيات الورق، يلهو بها الكبير قبل الصغير وهو يجر خيوطها…
يتركني السائق مع صديق السفر محمد السلاسي (عن حزب التجمع الوطني للأحرار) أمام الفندق. يلتحق باقي المشاركين في التكوين المنظم من المعهد الديمقراطي الوطني تباعا، نفسهم من كانوا في المكسيك قبل أشهر، و تلتحق بِنَا لاحقا فردوس هلال (عن حزب الأصالة و المعاصرة). فردوس تتقن خمس لغات بما فيها الاسبانية، و هي من تنقذ شعوب المنطقة من اللغة العجيبة التي أحدثهم بها، و توحي أنها إسبانية…

يبدأ التكوين في اليوم الموالي، الاثنين، بتقديم لتجربة الصلح الجارية الان في كولومبيا. بعد شهرين، سيصوت الكولومبيون على اتفاقية هافانا، و اللتي بموجبها تضع جميع المجموعات المسلحة الغير نظامية السلاح، و يتجه البلد إلى طي صفحة الماضي الأليم و التوجه نحو الصفح. هنا، استطاعت الطبقة السياسية سن قانون الضحايا: المهجرون من أراضيهم، مغتصبو الحقوق التاريخية، ضحايا النضال ضد الفارك، ذلك الجيش العتيد المناهض للنظام… لم تستطع الدولة فرض سلطتها على مجموع التراب الوطني، و كبار الملاكين يمولون عصابات عديدة لحماية المناجم و حقول الكوكا… هنا، يخبرنا صديق مغربي، غرام من الغبرة البيضاء يباع بخمسة عشر درهم. هي معلومة للاستئناس فقط!
نلتقي ممثلين عن ستة أحزاب كولومبية، أغلبية و معارضة، يسارية و ليبرالية و بيئية و وسطية و نوعية (غير مذهبية)…في قاعة الاجتماعات، شرفنا لقاء هؤلاء القادة، منهم أمين عام اتحاد اليسار و مناضلو الصف الأول في الأحزاب الأخرى. استمعنا لتقديمهم، و كيف أضحى كل حزب يشرك بالضرورة المواطنين في صياغة و تنفيذ برامجه، و كيف يعبئ كل طرف ليس فقط أنصاره بل عموم المواطنين للتصويت في الاسفتاء القادم مع أو ضد اتفاق هافانا. يقنعك الرافضون بحججهم: أية ضمانات لوضع السلاح، كيف يتم انتقاء الضحايا و ما مصير الجلادين المعروفين. تم يقنعك الداعمون أيضا بنظرتهم: لم تفلح أمة في الصلح دون الصفح، الفارك قبلوا باعتبارهم ضحايا و أيضا مسؤولين و منهم من هو مستعد للمحاسبة، و على علته يبقى اتفاق هافانا أحسن مخرج للأزمة، لأن المفاوضات وحدها تستطيع إنجاز ما لم يقدر عليه استعمال السلاح. صحيح، نعلم متى تبدأ الحرب، و لا نعلم متى تنتهي…
مع الشباب العربي المشارك، من لبنان و مصر، نلاحظ كيف تجمع الطاولة فاعلين غير متفقين تماما. هنا، تبدأ مثل هذه الاجتماعات بأناس غير متفقين، لكنهم متفقون على أن يتفقوا. عندنا، تبدأ مثل هذه الاجتماعات بأناس متفقين، ثم يتفقون على أن لا يتفقوا. الفرق بسيط. عموما، رغم تذمرنا للحظات من أمور في بلدنا، ليس للأمن و السلام ثمن.
تحدث المشاركون عن الوضع في لبنان، ثم مصر، و قدم الوفد المغربي عرضا عن الوضع في المغرب: تجربة الإنصاف و المصالحة، الاستثناء المغربي أثناء ما يسمى بالربيع العربي، كيف ساهم الدور المحوري للملكية الدستورية في اسقرار البلد على مر التاريخ و أثناء الثورات، اختيار الجهوية و مشاريع التنمية في مجمل تراب المملكة من الجنوب إلى الشمال. تحدثنا أيضا بصراحة عن صورة الأحزاب و السياسة في المغرب و كيف نبحث، خاصة الشباب أو من يحسب على الشباب، على جعل المواطنين أكثر مشاركة، في النقاش العمومي و في الانتخابات. تحدثنا عن نهاية الانتقال الديمقراطي و ضرورة الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، اللتي يمارسها الديمقراطيون، أي مواطنون يعنيهم الشأن العام و مراقبة اشتغال المؤسسات و الهيئات المنتخبة، في رقابة جماعية تقي من محاولات الفساد بكل أشكاله أو الهيمنة بإسم نتائج صناديق اقتراع يشارك فيها البعض و تسري نتائجها على الكل… و تقدمت باسم الوفد المغربي بتقديم كتاب قيم أنجزته صحيفة ليزيكو بالانجليزية يسرد أهم إنجازات المغرب في عهد جلالة الملك محمد السادس، و لاحظنا أن معظمهم لا يعلم الشيء الكثير عن المغرب… هنا في بوكوطا، المترجم من المغرب، اسمه إمام، و هو من يؤم اجتماعاتنا…

14034790_906891359456870_7640831779758332165_n 14063835_906891182790221_1744721441737326560_n 14067667_906891399456866_6853425319742247606_n 14089194_906891162790223_2033305117429690807_n

اترك تعليقاً

Share via