الدكتور الباز لـ«القدس العربي»: اخترنا المساندة النقدية للحكومة لوجود شراكة سابقة مع مكونها الرئيسي

الدكتور الباز لـ«القدس العربي»: اخترنا المساندة النقدية للحكومة لوجود شراكة سابقة مع مكونها الرئيسي

أوضح أحمدُو الباز، عضو المكتب السياسي لـ”الاتحاد الدستوري” في حوار له مع جريدة القدس العربي ، أن حزب الاتحاد الدستوري اختار “المساندة النقدية” للحكومة الجديدة، لأن لديه ارتباطاً مع المكوّن الرئيسي فيها “التجمع الوطني للأحرار” منذ الأغلبية الحكومية السابقة، حيث جمعتهما مشروعات إصلاحية كبرى.
وفضّل “الدستوري” هذا الموقف رغم أنه غير ممثل في حكومة عزيز أخنوش، بعدما حصل على 18 مقعداً في مجلس النواب خلال انتخابات 8  سبتمبر الأخيرة.
وقال الدكتور الباز، أستاذ التعليم العالي والبرلماني السابق،  إن الحزب تبنّى “ليبرالية اجتماعية”، مضيفاً أنه استطاع استقطاب كفاءات وجدت نفسها فيه، كما كان سبّاقاً إلى طرح قضايا لم تُثر من قبل كالجهوية والحرية الاقتصادية وتأهيل المقاولة.
وأكد أن “سياسة القرب” الحقيقية للأحزاب تُمارَس داخل الأجهزة المنتخبة، وليس بالضرورة داخل مقرات الأحزاب على الصعيد الإقليمي والمحلي.

سنساند الحكومة

اخترتم ما أطلقت عليه “المساندة النقدية” للحكومة المغربية الجديدة، فهل يتعلق الأمر بتأييد لها بصيغة من الصيغ؟ أم هي معارضة بطريقة أخرى؟ وعلى أي أساس استندتم في اتخاذ هذا الموقف؟
■ لا بد من التذكير بأننا كنّا مرتبطين بالمكوّن الرئيسي والقيادي للأغلبية الحكومية الحالية، أي التجمع الوطني للأحرار، إذ كان لدينا فريق برلماني مشترك خلال الولاية السابقة، وهذه التجربة الثانية لنا بعد تجربة أولى كانت انطلقت سنة 2010.
إذنْ، لدينا ارتباط بهذا الحزب، ونلتقي في العديد من القضايا. وبناء على هذه العلاقة، لم ننفصل بمعنى الكلمة، لأن أغلب القوانين المؤطرة للمرحلة الحالية، بالخصوص في مجال الإصلاحات الكبرى للدولة، نحن ساهمنا فيها من موقعنا السابق كفريق مشترك، وصوّتنا عليها بالإيجاب.
أذكر على سبيل المثال القوانين المتعلقة بالتربية والتعليم والبحث العلمي، وبالتغطية الاجتماعية، والإصلاح الجبائي وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية… كل هذه الأوراش التي اتفقنا حولها وصادقنا عليها بالإجماع تؤكد أن لدينا شراكة مع الحزب الذي تصدر الانتخابات، بالإضافة إلى وجود مستوى من التنسيق في ما يتعلق بتدبير بعض المناطق الانتخابية خلال المرحلة السابقة.
هذا الاعتبار من الناحية الأخلاقية والسياسية لا يجعلنا ننقلب في لحظة معينة، ونصبح معارضين لما كنا شركاء فيه، خاصة أنه لا يوجد فاصل زمني بين مرحلة الشراكة والمرحلة الحالية.
بالنظر لهذه الاعتبارات، ونظراً لوجود مجموعة من التقاطعات بيننا وبين الحزب الذي تصدر الانتخابات وآلت إليه رئاسة الحكومة، اعتبرنا أننا سيكون لنا موقف خلال المرحلة الأولى من الولاية، وهو أننا سنساند الحكومة، إذا اقتضى الأمر مساندتها، حين تُطرح قضايا مجتمعية إصلاحية لفائدة جميع المغاربة؛ ولكن في الوقت نفسه يمكن أن نوجّه لها الانتقادات في طريقة التنفيذ والتفعيل بخصوص بعض الخيارات التي نرى أنها لا تخدم المصلحة العامة.
على كل حال، ما زلنا في المئة يوم الأولى من التنصيب، وستكون للحكومة مهلة، لنرى كيف ستسهم وتلتزم بتطبيق الإصلاحات الاجتماعية المنتظرة.
أيضاً، هناك عنصر مهم يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، هو تنفيذ “النموذج التنموي” الذي هو نموذج مغربي ساهم فيه الجميع، والتقرير الذي صدر عن لجنة النموذج التنموي يعكس إرادة الجميع. ومن ثم، فالحكومة مطالبة اليوم بتطبيق هذا المشروع على أرض الواقع. ونحن لا يمكن أن نكون ضد ما جاء في النموذج التنموي من أولويات إصلاحية.
وبالتالي، سنساند الحكومة في هذا المجال، ولكن إذا تخلّفت بعض المعايير أو بعض الالتزامات الموضوعية في كيفية التنفيذ، أو أن الإدارة التي هي جزء من الجهاز التنفيذي لا تتصرف بالشكل المطلوب لتفعيل مقتضيات ذلك المشروع، حينئذ سنقدّم للحكومة النقد والنصيحة.
وماذا عن العلاقة مع الأحزاب الموجودة في المعارضة، هل ستمدّون جسور التواصل معه؟
■ هذا الأمر ستجيب عنه الممارسة السياسية والبرلمانية، لأننا نحن في بداية الولاية، والفِرق البرلمانية تشكلت حديثاً. طبعاً، البرلمان مؤسسة نشيطة جداً، وحين تنطلق الأعمال والأنشطة واللقاءات تظهر مجموعة من المعطيات الواقعية التي ستحكم على مدى وجود تقارب وانسجام بين المكونات المختلفة، سواء في الأغلبية أو في المعارضة.
اليوم، من الناحية المبدئية، نحن متفتحون حين يتعلق الأمر بوجود تقاطع أو وحدة الرؤية إزاء قضايا معينة تتعلق مثلاً بالتعديلات على القوانين. أما إذا كانت لدينا تعديلات مختلفة عن الآخرين، فلا يمكن أن نفرضها عليهم، فالمسألة تتعلق بالممارسة العملية والسير اليومي للعمل البرلماني والعلاقات والانسجام الذي يمكن أن يحصل بين البرلمانيين والمسؤولين عن الفرق والتجاوب في النقاش داخل اللجان، وجود قواسم مشتركة هو ما يمكن أن يحكم في المسألة.
«الاتحاد الدستوري» ذو مرجعية ليبرالية، فما هي ملامح هذه الليبرالية لديكم؟ وإلى أي حد تحاولون تكييفها مع الخصوصية المغربية؟
■ نحن ليبراليون اجتماعيون، نتنفس في فضاء هذا الوطن، ونحن دائماً موجودون في المؤسسات الديمقراطية المنتخبة، بمعنى أن لدينا قنوات وعلاقات يومية ومباشرة مع مختلف شرائح المجتمع. لا يمكن أن نحمل أفكاراً غريبة عما هو سائد في المعتقد المجتمعي المغربي.
“الاتحاد الدستوري” هو أول حزب ليبرالي ظهر في المغرب، منظم بشكل واسع، وقام على أساس جيل ما بعد الاستقلال الذي يحمل أفكاراً مغايرة وتطلعات أخرى، وله انفتاح على العالم بحكم أن المغرب بلد منفتح. لقد ظهر في بداية الثمانينيات استجابة لمطلب مجتمعي؛ لأنه آنذاك، إمّا أن تكون في الأحزاب التقليدية الموجودة، أو لا تكون.
كانت هناك طاقات وكفاءات مغربية مؤهلة لكي تلعب دورها في الحياة السياسية، لكنها لم تجد لها مواقع داخل الخريطة الحزبية السائدة. ومن ثم، جاء حزب “الاتحاد الدستوري” ليؤطر ويستقطب وينفتح على تلك الكفاءات، وطرح قضايا ما تزال موضوع الساعة إلى اليوم، ولقيت تجاوباً من طرف المغاربة؛ فنحن من طرح الجهوية وتأهيل المقاولة والحرية الاقتصادية، في الوقت الذي كان النقاش يدور حول الحرية السياسية، علاوة على طرحنا لموضوع التنمية الاجتماعية والحرية الثقافية والتعددية.
اليوم، الكل يتحدث عن الجهوية، كما يتحدثون عن المقاولة، إذ لم يكن المغرب يشهد تجربة مقاولاتية بالمفهوم العصري، كانت فقط مقاولات عائلية محمية أو مقاولات تستفيد من الريع، ولكن المغرب يتوفر حالياً على نسيج مقاولاتي شريك في الشغل وفي النشاط الإنتاجي والاقتصادي، وهو المعول عليه في ضمان فرص العمل والتشغيل الذاتي لا سيما للمواطنين الذين يحملون كفاءات ومؤهلات في مجالات متعددة.
حينما نتحدث عن الليبرالية فمعناها الحرية التي تبدأ بحرية التفكير.
ونحن ندعم هذه الحرية، ذلك أن حرية التفكير والتعبير هي الضامن للتعددية، والديمقراطية بدون تعددية لا يمكن أن تستقيم. لقد عشنا مرحلة الاحتكار ومحاولة إلغاء الآخر، “أنا ومن بعدي الطوفان”. هذه الصفحة طواها المغرب منذ مدة، إذ نعيش اليوم التعددية الحزبية والثقافية واللغوية، بحكم تنصيص الدستور على تعدد مكونات الهوية المغربية العربية والأمازيغية وروافدها العبرية والأندلسية والإفريقية.
“الاتحاد الدستوري” جاء للقطع مع تابوهات مرتبطة بفترة زمنية معينة. كنّا حاملي مشاريع، لكننا لم نحتكرها لوحدنا، وإنما استفاد منها الجميع، من بينها الجهوية، لأن التنمية في المغرب ظلت لسنوات حبيسة في شريط محدود جداً، ولم تكن هناك تنمية متوازنة، كان المغرب يسير بسرعتين: سرعة متقدمة في شريط محدود، وسرعة واطئة في باقي البلاد.
وبالتالي، يجب توحيد السرعة وإحداث نوع من التوازن، وهو ما نطلق عليه اليوم “العدالة المجالية” التي تقود إلى تأمين “العدالة الاجتماعية”.

حاضرون في المؤسسات المنتخبة

حسناً، كيف تستلهمون سياسة القرب وتطبّقونها، أي القرب من المواطن، لأنه عادة ما تؤاخذ الأحزاب بكونها تشتغل خلال فترة الانتخابات فقط، ولكنها لا تتواصل مع المواطن في مختلف الجهات والأقاليم على مدار السنة؛ كيف تجسدون مفهوم القرب من المواطن، عبر مكاتب الحزب وفروعه الجهوية والإقليمية والمحلية؟
■ اليوم، يلاحظ أن نماذج القرب تطورت وتنوعت، فقد توفرت بنيات حديثة وجديدة لممارسة سياسة القرب مؤسساتي. وبالتالي، لم تعد الأحزاب تعتمد فقط على بنيتها التنظيمية الجهوية والإقليمية والمحلية، ولكنها حينما توجد في المؤسسات المنتخبة التي تدبر الشأن العام، وطنياً أو جهوياً أو إقليمياً أو محلياً، فذلك هو الفضاء التي ينبغي أن تمارس فيه الأحزاب القرب النافع. إن حضورنا في المؤسسات المنتخبة من مجالس بلدية أو قروية أو جهوية أو إقليمية، يعني وجودنا في الفضاء اليومي الذي يمكن من خلاله التعامل مع قضايا المواطنين الذين يقصدون تلك المؤسسات لقضاء أغراضهم. فحين تكون للمنتخَب الذي صوت عليه المواطن أذن مصغية ويتفاعل مع المرتفقين الذين يلجون الإدارات المحلية المعنية، فحينئذ يمكن القول إن ذلك فضاء لممارسة سياسة القرب الحقيقية.
إن هذه السياسة ليست مجرد كلام، وإنما فعل اجتماعي يمارس داخل الأجهزة الديمقراطية المنتخبة الموضوعة رهن إشارة الموطنين لقضاء مصالحهم اليومية، على المستويات الإدارية والصحية والاجتماعية والثقافية وغيرها، فضلاً عن الوثائق والرخص والتوجيهات وكل المعاملات الإدارية للمواطنين. وإذا وجد المواطن في الإدارة منتخبين يمتلكون سعة الصدر وحس المواطنة، فسنكون نمارس القرب مؤسساتياً ومرفقياً، أي أننا نمارس سياسة مفيدة ومنتجة لأثرها، وربما يكون ذلك أكثر فائدة من مقرات للتداول والنقد والنقاش. لذلك، فحزب “الاتحاد الدستوري” منذ تأسيسه إلى اليوم، حاضر حضوراً فعلياً في المؤسسات المنتخبة، بحكم أنه يتوفر على مرشحين ومنتخبين ذوي ارتباط قوي بالمجتمع، ويمارسون الفعل السياسي المباشر أكثر مما يمارسون النقد السياسي.
نحن نرأس مجموعة من المجالس المنتخبة، ونوجد في أغلب الأوقات في التسيير والتدبير، وليس في المعارضة، وقد نكون أحياناً فيها، وقمنا بتسيير مدن كبيرة مثل الدار البيضاء ومراكش وطنجة… ومن هذه المواقع، اكتسبنا تجربة وخبرة وعلاقة وطيدة مع المواطنين، ومعظم منتخبينا يظلّون مستمرّين في مهماتهم لأكثر من ولاية، لأنهم كسبوا ثقة الناخبين، بناء على التجاوب والتفاعل مع قضايا الناس اليومية.

اترك تعليقاً

Share via