الفردوس يكتب : أي دور لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؟

الفردوس يكتب : أي دور لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؟

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

بعد أن لفت عدد من السياسيين والخطباء الأنظار إليهم، في الآونة الأخيرة، بسبب خرجاتهم السياسية التي استعملوا فيها الدين لتقييم أوراش إصلاحية أو الحكم على مشاريع وبرامج اقتصادية أو اجتماعية، أو الرد على فرقاء سياسيين، أو تأليب الرأي العام الوطني ضد أشخاص أو مجموعات، يبدو أننا دخلنا العد التصاعدي لبعض مظاهر الحمى الانتخابية التي استنكرنا في إبانها وغير ما مرة، أن يتخذ المشترك الديني أو الثوابت الوطنية عموما مطية لها، للمزايدة على الخصوم والفرقاء والشركاء، باسم أن هذا الشخص أكثر غيرة دينية أو وطنية من ذاك، أو أن هذا الحزب أقرب إلى التقوى والإيمان والوطنية من غيره.

واليوم إذ يتبين، ونحن على مسافة قريبة من عدد من الاستحقاقات السياسية وعلى رأسها الاستحقاقات الانتخابية التشريعية، أن البعض قد بدأ يتحسس من جديد أسلحته القديمة والدائمة في التدافع السياسي والمواجهة الحزبية، والمصنوعة من تركيبة عجيبة وخلطة سحرية تمزج داخلها مقدسات الأمة بأغراض حزبوية أو شخصية ضيقة، في انتهازية مفضوحة لكسب تعاطف الهيئة الناخبة وركوب ظهور العامة وإيمانها الديني خاصة، بهدف توجيه أصواتها الانتخابية على قاعدة الاختيار ليس بين برنامج انتخابي وآخر، بل على قاعدة الإيمان والكفر والحلال والحرام.

فإذا كان دستور البلاد يضمن لجميع فرقاء الساحة الحزبية والسياسية الحق في المشاركة في مختلف الاستحقاقات الحزبية، على قدم المساواة، وعملت الدولة بشدة، عن طريق وزارة الداخلية، في السنوات الأخيرة، على تطهير العمليات الانتخابية من كل ما يمكن أن يشينها أو يفقدها مصداقيتها ونزاهتها وشفافيتها، بما في ذلك الضرب على أيدي كل من سولت له نفسه إفساد هذه العمليات بالأموال أو التدخلات المشبوهة من تدليس أو تزوير أو تزييف لإرادة الناخبين، ومنعت أنشطة لجماعات محلية أو منظمات وهيئات البر والخير والإحسان يشتم منها القيام بحملات انتخابية مبطنة بقصد استمالة الهيئة الناخبة أو شراء أصواتها، فإن تسميم الأجواء الانتخابية السابقة لأوانها، باستعمال ورقة الدين وتقاذفها بين أفراد أو مجموعات سياسية، أو بين خطباء دينيين ووعاظ ومرشدين، يرتب على وزارتي الداخلية من جهة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مسؤولية مشتركة في تطهير الحقلين السياسي والديني من تلبيسات ودسائس المغرضين والمنفرين.

وإذا كانت وزارة الداخلية بحكم اختصاصاتها في الإشراف على تطبيق القانون في كل ما يتعلق بمنع إفساد نزاهة وشفافية ومصداقية العمليات الانتخابية سواء في مدخلاتها أو مجرياتها أو مخرجاتها، تقوم بين الفينة والأخرى بفرض الانضباط واحترام القانون وتذكير الهيئات السياسية أو الإدارة الترابية أو الجماعات المحلية بضرورة احترام التزاماتها وتطبيق القانون، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بحكم مسؤوليتها عن فرض الانضباط في صفوف العاملين بالحقل الديني، يمكنها الانخراط بقوة في منع انزلاقات عدد من المرشدين والمرشدات والخطباء في الدعاية الانتخابية في صفوف مرتادي المساجد وأماكن العبادة، أو في استغلال وضعهم الاعتباري الديني من أجل استمالة الناس وممارسة تأثير ديني في توجهاتهم الانتخابية واختياراتهم الحرة.
فكما أن رجل السياسة لا يجوز له في ظل تنافس انتخابي وسياسي مفتوح أن يلبس لبوس الوعاظ والتقوى والطهرانية، فإن رجل الدين الموكولة إليه القيام بالوظائف الدينية في العبادة والإرشاد، لا يليق به أن يلبس لباس السياسي وأن يقحم منبر الخطابة والإرشاد الدينيين في أتون معارك انتخابية، ذلك الإقحام الذي يفسد السياسة كما يشوه المشترك الديني ويفسده.
إن ما نراه من تسللات بين الفينة والأخرى لعناصر لها توجهات سياسية وإيديولوجية، إلى الحقل الديني بهدف الاستقطاب السياسي والانتخابي، يفرض على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تحرص على تأمين الحقل الديني من اختراقات سياسية، قائمة أو محتملة، لمرشداتها ومرشديها في تأطير عدد كبير من النساء والرجال المرتادين لمجالس الإرشاد والتوجيه والخطابة ومحو الأمية…

من حقنا أن نتخوف من هذا الاستغلال المزدوج للدين في السياسة وللسياسة في الدين، ونحن نرى ونشعر في الآن نفسه بأن ثمة عملا للمناولة والتجارة في الدين بدأ الترويج له على أبواب الانتخابات، وبدأت رائحة السباق إليها تشم من خرجات سياسية بجبة الدين، يحسبها المغفلون فلتة لسان أو سقطة عابرة ومعفوة، فيما هي إذا جمعت مع غيرها وفي ظرفية لا تحتمل مثلها، تشي بأن ثمة إرادة مبيتة لإقحام العواطف الدينية ودور العبادة وصور التقوى والصلاح وسلطة التوجيه والإرشاد الديني في غمار التنافس على أصوات الناخبين والتأثير على اختياراتهم الحرة.

فهل من تدابير احترازية تستبق بها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في ما يقع تحت سلطتها واختصاصاتها، أي انزلاق أو مغامرات سياسية لبعض المشرفين والقيمين والخطباء والمرشدين والمؤطرين الدينيين الذين لهم توجهات أو تعاطفات سياسية مع هيئات حزبية، ويمكن أن يلعبوا دورا خطيرا في إفساد اللعبة السياسية وإغراقها بالشبه والفوضى والتلبيسات، بما يحركونه من غيرة دينية مفتعلة وبما يؤججونه من أحقاد ودسائس ضد خصوم سياسيين، وبما يؤلبون به مرتفقي دُور العبادة بعضهم ضد بعض، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية؟

فهذا باب للشر والفتنة يجب العمل على سده وغلقه في وجه كل من سولت له نفسه استغلال المشترك الديني للمواطنين ومقدساتهم المحترمة من الجميع، لممارسة وصاية روحية مغرضة عليهم ومؤثرة في اختياراتهم الانتخابية بين برامج متنافسة على مقاعد المسؤولية التشريعية والتنفيذية، وليس على الإيمان والكفران.

اترك تعليقاً

Share via