الفردوس يكتب : ارتجال على أبواب الدخول المدرسي

الفردوس يكتب : ارتجال على أبواب الدخول المدرسي

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

ليس مقبولا ونحن على مرمى حجر من افتتاح الموسم الدراسي الجديد، في موعده السنوي الدائم، أن تخرج الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين، بعد شهرين من التفكير الاستباقي والوعد بطرح السيناريوهات الممكنة والمناسبة لدخول مدرسي آمن، ببلاغ إخباري غامض يزيد من قلق وتخوفات الأمهات والآباء وأسرة التعليم، بدل أن يبددها، في هذه الظرفية الصحية الوبائية الصعبة والحرجة، وذلك أن البلاغ جازف وغامر باختياره منطقة رمادية في مخاطبة أولياء أمور التلميذات والتلاميذ، من خلال اقتراح خطة مرتجلة تصر على الاحتفاظ بموعد الدخول المدرسي العادي في بداية الشهر المقبل، واعتماد صيغة التعليم عن بُعد مع إتاحة الفرصة لمن يرغب في التعليم عن قرب للحضور الفعلي إلى الفصول الدراسية.

هذا كل ما في البلاغ الإخباري والباقي مجرد تفاصيل في سياق التذكير بالإجراءات الاحترازية لعمليات انطلاق الدراسة الحضورية، وتدابير استكمال استحقاقات الموسم الدراسي السابق، ولا شيء عن الصيغة المقترحة للتعليم عن بُعد، وكيف سيتهيأ لها التلاميذ والتلميذات، وما مدى وفاء هذه الصيغة بمتطلبات التحصيل الدراسي، من تكافؤ الفرص، وتوفير الموارد الرقمية المناسبة والمنصات التفاعلية، ومواكبة التعلمات والتقويمات ودروس الدعم، ومدى توفر الأسر على بنيات استقبالية للمنظومة المعلوماتية والتواصلية لتنزيل الدروس وتفعيل التعليم عن بُعد، وما هي الخلاصات التي انتهت إليها الوزارة في تقويمها لتطبيق هذه الصيغة من التعليم، في الدورة الثانية من الموسم الدراسي السابق، خصوصا وأن الإشارة السلبية التي أعطتها في نهاية الموسم الدراسي المذكور، بعدم إدراج دروس التعلم عن بُعد، في الامتحانات والتقويمات، والاكتفاء بالدروس الحضورية السابقة، تفيد ضمنيا عدم الثقة والرضى عن حصيلة هذه التجربة الطارئة وعن تدبيرها على أكثر من صعيد، رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لتنزيلها، حتى لكأنها وضعت أصلا لضمان الاستمرارية الصورية في إنجاز الدروس وملء الفراغ، وإنهاء الموسم الدراسي ولو بشق الأنفس.

كان بإمكان شهرين من التفكير الاستباقي، ومراقبة الوضعية الوبائية بالبلاد أن يجنب البلاغات والقرارات السقوط في الارتجالية والغموض وعدم تحديد الموقف الواضح من طبيعة الاستمرارية البيداغوجية التي تصر الوزارة على تنزيلها في بعدها الزمني المحدد بناء على وضعيات الحياة العادية والطبيعية، وليس على وضعيات استثنائية صحية تجتازها البلاد بتصاعد الإصابات بالفيروس القاتل، وارتفاع عدد الوفيات، وتهديده للتجمعات وأماكن العمل والاختلاط بتفشي العدوى، وغياب الوعي الصحي الوقائي. هل تستطيع مصالح الوزارة أن تتحكم في تدفقات التلاميذ، وفي حركيتهم، وفي مراقبة التزامات المؤسسات التعليمية وأطرها العاملة بالبروتوكولات الاحترازية اليومية، فأي انفلات في ظرفية توسع الحالة الوبائية وتفاقمها، سيجعل مؤسسات التربية والتكوين عرضة لهزة عنيفة ولاضطراب عظيم في التحصيل الدراسي، ولانقطاعات سواء في صفوف المدرسين والمدرسات وأطر المؤسسات التعليمية، أو في صفوف التلاميذ والتلميذات، ويجعل الموسم الدراسي فريسة للتخبط والفوضى، التي كنا في غنى عنها، لو تدارست الوزارة سيناريوهات أكثر تلاؤما مع الوضعية الوبائية، وأكثر احتياطا وحذرا ووقاية ليس للأشخاص والأرواح فحسب، بل للمنظومة التربوية برمتها والتي تعاني كغيرها من المنظومات والقطاعات من ضغط تفشي الوباء.

إن إنجاح الدخول المدرسي لا يعني الالتزام بتحقيقه في مواعيده الدائمة والمقررة، بل مروره في سلام وأمان، وبأقل الخسائر البيداغوجية والتنظيمية الممكنة، والتحكم في تدبير عملياته بكل السبل الممكنة والمتاحة في ظرفية استثنائية، يجب أن تدبر بدورها باستثناءات وبتنزيل أمثل لبرامج ومخططات تتناسب مع الوضعيات الصعبة، وهذا ما لم يتم، بترك الوزارة في بلاغها الإخباري لغموض وبياضات وفراغات قابلة للتأويل والتنازع في أمرها، وإلا فماذا يعني تخيير أولياء التلاميذ والتلميذات بين التعليم عن بُعد والتعليم الحضوري، وتحميلهم مسؤولية اختيارهم، من غير تقديم ضمانات واضحة عن تدبير الوزارة لهذه البدائل، وإلى أي حد تتيح جميعها تكافؤ الفرص بين المعلمين. تعليم بطريقتين ووسيلتين وزمنين متفاوتين لا يبدو بينهما انسجام ولا توافق ولا خطة جامعة، لا يمكنهما إلا أن ينتجا تفاوتات وفروقات شاسعة أيضا في التحصيل وفي تدبير الزمن الدراسي والمدرسي، لن ندركها ونستوعب خللها إلا بعد تقويم الحصيلة والمكتسبات التربوية.

فهل استوعبت الوزارة الوصية هذه النهايات السلبية الممكنة والمحتملة وربطتها بالبدايات الارتجالية والانقسامية القائمة، كما تربط مدخلات التعليم بمخرجاته؟ وهل فَكَّرت في دوخة الأمهات والآباء بين اختيارات أحلاها مر، وأدناها وأعلاها لا يتبين منه طريق سالك ولا حل موفق ومناسب؟

وكيف ستنخرط الأكاديميات والمديريات الإقليمية ومعها المؤسسات التعليمية في تنزيل بلاغ لا يحدد إجراءات واضحة ولا خارطة طريق لاحتمالات ووضعيات مستجدة عديدة سواء بالنسبة لاختيار التعليم الحضوري الذي يطرح إشكالات تدبير الاكتظاظ والاختلاط وضعف البنيات الاستقبالية الصحية والوقائية وهشاشتها، وإشكالات المراقبة الإدارية للالتزامات ورفع درجة اليقظة، أو بالنسبة للتعليم عن بُعد الذي لم تحل إشكالاته التقنية من توفير الحواسيب للمعلم والمتعلم، وتوفير الموارد الرقمية التعليمية المتنوعة والمناسبة والطرائق البيداغوجية التفاعلية، وتوفر المعلم والمتعلم على تكوين في استعمالها والإفادة منها، وتتبع الأنشطة عن بُعد، وغيرها من الصعوبات التي لا تزال قائمة في سياق الصيغتين.

ألم يكن ممكنا للوزارة الوصية على القطاع التعليمي، تجنب هذه السيناريوهات الغامضة والمغامرة، في قرار مصيري وكبير كهذا الذي اتخذته وألبسته لبوس البلاغ الإخباري، أن تبتكر حلولا تتناسب مع المستجدات الوبائية التي تعرف تصاعدا وتزايدا في الانتشار والتفشي ـ وكان لديها الوقت الكافي والمعطيات الميدانية التفصيلية ـ وأن تفتح استشارات موسعة مع كل المشرفين على الحياة المدرسية والعاملين فيها وشركائها، ومع السلطات العمومية والصحية لتقييم خطورة الوضع الوبائي في فضاءات المؤسسات التعليمية وفي وسائل النقل المدرسي، ومدى استعدادها لاستقبال الأعداد الغفيرة من المتعلمين والمدرسين والأطر الإدارية. ألم تتدارس الوزارة اختيارات أخرى ممكنة وعلى رأسها ما طالب به عدد من الآباء بتأخير الدخول المدرسي عن موعده في انتظار استقرار في الوضعية الوبائية، ومن ثمة الاشتغال على سيناريوهات التخفيف من المقررات والبرامج الدراسية، التي تعرف أصلا تضخما ورهانا على الكم المعرفي؟ وكذا تقليص ساعات الحصص الدراسية وتعديل بنية استعمالات الزمن، وفتح إمكانات التفويج أمام المتعلمين؟

شهران مضيا اعتقدنا أنه تم خلالهما تدارس جميع الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة والابتكارية، لتنزيل خارطة طريق واضحة ومناسبة لدخول مدرسي في ظل استمرار خطورة الوضعية الوبائية بالبلاد، بل واشتدادها، واحتمال العودة إلى حجر صحي جديد، لا قدر الله، لم تخرج منهما الوزارة إلا ببلاغ وامض وغامض يلقي الكرة في ملعب أولياء التلاميذ والأسر المغربية، التي أصابها البلاغ بِحَيْرَة وهلع يحتاجان إلى مئات التدخلات والمداخلات واللغط والأخذ والرد لتبديدهما.

إن الأسر المغربية المعنية بالشأن التربوي والتعليمي لأبنائها في أمس الحاجة في هذه الظرفية الصعبة إلى مخاطبة حكومية مسؤولة ومقنعة وواضحة، قادرة على تدبير الأزمة واستشعار المخاطر، وتقديم عروض تربوية في مستوى التحديات التي فرضها الوباء المتفشي، وبذل جهد أكبر في اقتراح البدائل المعقولة والمقبولة والمناسبة لإنجاح الموسم الدراسي بمدخلاته وعملياته ومخرجاته، وليس محطتي الدخول والخروج فحسب.

اترك تعليقاً

Share via