الفردوس يكتب : الجائحة النائمة

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
لا يمكن التقليل من أهمية الكشف عن خلية إرهابية وتفكيكها، وإلقاء القبض على عناصرها بعدد من مدن المملكة في العاشر من شتنبر الجاري، أو اعتبارها مجرد واقعة من الوقائع الأمنية العادية في تعقب الجرائم، وضبط المخالفات، خصوصا في هذه الظرفية الوبائية الدقيقة، التي انصرفت فيها الأنظار إلى مواجهة الجائحة طبيا وأمنيا واجتماعيا، لحماية المواطنين من تداعياتها، فيما كانت الجائحة الإرهابية التي اكتسحت العالم واجتاحته، قبل جائحة كورونا، تتحين الفرص ومناخات الاضطراب والفوضى والهلع والغفلة، للتمدد والخروج من مكامنها، معتقدة أن العيون الأمنية التي ترصد تحركاتها قد انشغلت عنها بنازلة الجائحة الوبائية وبالتدابير الأمنية المصاحبة لها، وبالتعبئة العامة والشاملة لمواجهتها.
فحدث تفكيك هذه الخلية الإرهابية النائمة، وهي على أهبة الاستعداد لتنفيذ عمليات عدوانية خطيرة على أمن المواطنين واستقرار البلاد، وقبل مرورها إلى تفعيل مخططاتها، كشف عن أمور أهمها:
ـ استمرار اليقظة الأمنية، وتفعيل المقاربة الاستباقية المغربية الناجعة في مواجهة الأعمال العدوانية الإرهابية، بما يتوفر للأجهزة والعناصر الأمنية من خبرة ميدانية ومن قاعدة معطيات ومعلومات في غاية الأهمية والخطورة، والتي تتعامل معها باحترافية كبيرة، تجعل هذه الأجهزة متحكمة إلى حد بعيد في مسارات التحري والتحقيق والدراسة والتتبع والمراقبة المستمرة لحركات وسكنات العناصر المشكوك فيها، أو التي ثبت انخراطها في تنظيمات وهياكل إرهابية، أو تلك التي ظهر تورطها في التخطيط لأعمال تخريبية سواء ببلادنا أو بعدد من الدول الشقيقة والصديقة، حيث مكن التتبع والمراقبة من تكوين خريطة لشبكات الخلايا النائمة التي تتحرك للاستيقاظ على تفجير أو تخريب أو نسف أو قتل تحدثه، فتستيقظ ذات موعد تواعدته، على التقاط الأجهزة الأمنية لأفرادها واحدا واحدا، وعلى وقع الأحذية الأمنية التي تطوح بأحزمتها الناسفة بعيدا عن سرير مواطن مريض مستهدف بالتفجير، أو بيت مقصود بالتخريب، أو مؤسسة وطنية يراد نسفها وتدميرها والإضرار بها، أو آمنين تُهدر دماؤهم ويتربص الغدر بهم.
ـ المحجوزات التفجيرية التي صودرت من بيوت الخلية الإرهابية وكهوفها، رغم أنها أدوات وصناعات يدوية وتقليدية، تكشف عن حجم الخسائر والأضرار التي ستستعمل فيها لإزهاق أرواح وإحداث خراب، فهي أشبه بالفيروس المرضي الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة، وترى آثاره التخريبية الكبيرة التي لحقت بالإنسانية وقطعت أوصالها، وأغلقت ولا تزال مصالح حيوية لسائر دول المعمور.
إن حمام دم كبير كان سيحدث بهذه العبوات المتفجرة والأحزمة الناسفة التقليدية، بل وحتى الأسلحة البيضاء، التي قد يراها البعض مجرد سكانين وألعاب ومفرقعات لإحداث ضجيج لا غير. في حين أن الأجهزة الأمنية تدرك تمام الإدراك، مِن خريطة المواقع ولوائح الشخصيات المدنية والعسكرية المستهدفة، ومن أعداد الأفراد المجندين للجريمة، مدى خطورة مرور الخلية الإرهابية لتنفيذ هجماتها، ومدى الخسائر التي ستحدثها على الحياة العامة، وعلى نفسية المواطنين، وعلى صورة البلاد خاصة.
لقد جاء التدخل الأمني في وقته المناسب والمحسوب، ولم يكن حصيلة صدفة، بل نتيجة مسار تتبعي دقيق لشهور عديدة، أفضى إلى استجماع كل العناصر الإثباتية وتفكيك شفرات المخطط الإرهابي، قبل تفكيك خليته التنفيذية الذي لم يستغرق إلا ساعة من صباح يوم الخميس الماضي، وبشكل متزامن في كل من مدن طنجة وتيفلت وتمارة والصخيرات.
ـ التطور الكبير في عنف العناصر الإرهابية المشبعة بالفكر العدواني المتطرف والدموي، حيث أثبتت مواجهتها للأجهزة الأمنية التي حاصرتها، استعدادا كبيرا للانتحار وللقتل وعدم الاستسلام، والمقاومة الشرسة للتدخلات الأمنية، الشيء الذي تسبب في إصابة عنصر من عناصر التدخل السريع بإصابات بليغة.
إننا أمام مشروع إرهابي يتوسع باستمرار ويتمدد، ويجد في الوضعيات الحرجة كالظرفية الوبائية الحالية ضالته لكسب معركته على الأرض، بتحالف وبائه مع وباء كورونا، وغيرها من الأوبئة والأزمات، غير أن ارتفاع منسوب القيم الإنسانية والدينية والوطنية التي تحض على فعل الخير والتضامن والتعاون على البر والإحسان، والوعي بالتحديات الحضارية والتنموية التي تواجهنا، والانخراط في الإصلاحات الوطنية الكبرى وأوراش البناء والإحياء، فضلا عن اليقظة الأمنية البالغة، ستجعل جميعُها هذا التخطيط الإرهابي الذي فشل في المرور إلى التنفيذ، مجرد جائحة كامنة ونائمة، تتربص الدوائر بوطن آمن، ويتربص بها كما تتربص، ويحيد خطرها وينزع فتيلها ويطفئ نارها كلما همت بِشر، ويجعلها نائمة إلى الأبد، لا تستيقظ إلا لتعود إلى سباتها وكوابيسها من جديد. وكذلك كل غدر وخيانة وغش للدين والوطن والإنسانية، سيبوء المجرمون به وينقلبوا على أعقابهم خاسئين خاسرين مخزيين، ويذهب زبدهم جفاء، “وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.