الفردوس يكتب : الموجز الكوروني…
بدأ العد العكسي لما بعد الحجر الصحي يظهر من خلال الاستعدادات الجارية على قدم وساق لإعادة الفتح التدريجي للأنشطة المقاولاتية، وإطلاق الحركية الإنتاجية، وعودة عموم الشغيلة والموظفين إلى مقرات عملهم في إطار خطة الاستمرارية الإدارية والمعيشية. ولم يكن هذا الأمر اعتباطيا أو إجراء مرسلا غير مشمول بالاحتياط، بل كان حصيلة تجربة أزيد من شهرين على فرض حالة الطوارئ الصحية، انتقلت فيها بلادنا بفضل التدابير الاحترازية وإجراءات مواجهة تداعيات وباء كورونا، من حالة الخوف والتوتر وغموض الوضعية الوبائية والتخوف من اندلاع كبير للإصابات، إلى حالة من الطمأنينة المشوبة بحذر، بعد النجاح المتواصل للتحكم في الشروط والضمانات الأساسية لعدم تفشي الوباء أو خروجه عن حد السيطرة.
ولعل أهم حصيلة لتجربة الاشتغال الصحي والأمني خلال أشهر الحجر المنزلي وتطبيق حالة الطوارئ الصحية، هو إنتاج معرفة بحركية فيروس كورونا، وتوسيع قاعدة المعطيات المتعلقة بكيفية مواجهته والحد من أضراره، الأمر الذي مكن بلادنا من خلق ظروف جديدة للتعامل مع هذا الفيروس، وتجاوز الوضعية الخطيرة لمراحله الأولى التي هدد فيها الجميع بالموت والفتك والعجز عن السيطرة عليه، الأمر الذي لا يعني أن الفيروس لم يعد خطرا ولا قاتلا، بل نحن من صرنا، شيئا فشيئا، أكثر معرفة به وأقدر على التحكم في خطورته ومداراته والتحايل عليه.
لقد صار بإمكاننا اليوم وبشكل تدريجي أن نتعايش مع وجود هذا الفيروس، بفضل التحكم والوضع تحت السيطرة، وحيث لم يتمكن أي بلد في العالم من القضاء النهائي عليه، مثله مثل سائر الفيروسات الحية بيننا، ولا يمكننا أن نظل إلى ما لانهاية تحت حماية الحجر المنزلي والبقاء الدائم في المخابئ والمحاجر، وتعطيل مصالح الناس ومعاشهم، في انتظار الذي يأتي ولا يأتي. ويتمثل هذا التعايش في ما استخلصناه من دروس في الحجر الصحي، على بساطتها ويسرها، ولعل أهمها: الحرص على النظافة والتطهير المتواصل والتعقيم الدائم سواء لليدين أو للأماكن والفضاءات، والتزام مسافة الأمان والتباعد الجسدي، واجتناب التجمعات واللقاءات والكف عن كل السلوكات والعادات التي تسمح بانتقال الفيروس بين الأشخاص، واستعمال الكمامات.
بهذه التربية والثقافة الجديدتين والسلوكات المدنية المناسبة للوضعية الصحية الحرجة التي نعيشها، يمكننا أن نوقف زحف الوباء، وأن نضيق الخناق على مساحات تحركه، وأن نقلل من فرص تنقله، وأن نحافظ على التوازن بين مصالحنا في استمرار العمل والتنقل والتحرك والإنتاج، وتدبير مخاطر الوباء وتفاديها ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
سيصير فيروس كورونا مجرد موجز في الأخبار وفي النشرة اليومية لوزارة الصحة التي تحرص على تقديم جميع المعطيات عن الوضعية الوبائية، وتواكب في الآن نفسه تحسين مؤشرات مواجهته والتحكم في بؤر انتشاره وحصرها، وتعرض لجهود المصالح الصحية والطاقم الطبي الوطني في رفع نسب التعافي وشفاء الحالات المصابة.
وبالتزامنا جميعا بالتوصيات والتوجيهات الصحية والأمنية والتربوية، سينشأ بيننا تضامن لما بعد رفع الحجر الصحي، بإحساس كبير بمسؤولية كل فرد وكل مجموعة مهنية عن سلامة باقي الأفراد والمجموعات المهنية، وعن سلامة الوطن وأمنه الصحي. وهي الثقافة الجديدة التي ينبغي إشاعتها بالتربية والتدريب على الاستعمال الأمثل لما راكمناه خلال الحجر الصحي من قدرات نفسية وثقة وسلوك مدني وصحي للتعايش مع هذا الفيروس ومع غيره من الأمراض والوباءات المحتملة، مثلها في ذلك مثل الكوارث والحوادث والطوارئ القاتلة التي نصادفها في حياتنا اليومية، ونتجنب أخطارها، ونتعظ بأخطائنا في إحداثها، ونعالج مخلفاتها ونقلل من أضرارها، وندرجها في الأخبار والنشرات التحذيرية والتحسيسية الملازمة للنشاط الاقتصادي وللحركية الإجتماعية في هذا العصر.
قديما قيل إن “الوقاية خير من العلاج” فلنجعل الهدف المركزي في فترة ما بعد الحجر الصحي، وفي المرحلة القادمة من التعايش مع متغيرات هذا الفيروس الداهم، وقاية أنفسنا وأهلينا ومحيطنا منه، بالتزام قواعد معاملته بما يلزم من الاحتياطات المقررة للوقاية من عدواه، والاحترام التام لالتزامات الدولة والمجتمع بمنع أي خرق لخطة تأمين عودة الحياة إلى سيرها الطبيعي والعادي لما بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، وتجسيد التضامن الوطني والإنساني الكبير أثناء الحجر الصحي، في تضامن جديد يشكل أساس تعاقد أخلاقي وثقافي وسلوكي لإنجاح مخطط العودة التدريجية لاستئناف الحياة في الفضاء العام.