الفردوس يكتب : المُواطَنَة الإفريقية للمغرب
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
أبان المغرب ملكا وشعبا ودولة ومؤسسات، في مواجهة المستجد الوبائي العالمي، عن أصالة حضارية فريدة تضرب جذورها في أعماق التاريخ، بكل ما تحمله هذه الحضارة من قيم التضامن والتعاون والثقة في المستقبل والاعتماد على الذات والسعي إلى الخير والعدل. فمنذ اجتياح الوباء للعالم، اتخذ المغرب إجراءات ومبادرات وطنية ودولية، لتجسيد التزاماته الداخلية والخارجية في التضامن وتقاسم الخبرات والتجارب والتعبئة الجماعية للإنقاذ والحماية، وإبراز الوجه الإنساني في معاملة هذه النازلة.
ولسنا بحاجة إلى إحصاء وتعداد الجهود الحثيثة والمتواصلة التي بذلها المغرب، سواء في التحسيس بأن النازلة فرصة لرفع درجات التعاون والتفاهم وتكثيف الجهود، أو في وضع المخططات الوطنية والإقليمية والدولية لمواجهة الوباء، والتي اختتمت في نهاية الأسبوع الفارط بمبادرة عملية رائدة وغير مسبوقة في العالم تجاه القارة الإفريقية، تمثلت في دخول التعليمات الملكية بتقديم المساعدات الطبية لدول من القارة الإفريقية، حيز التنفيذ، حيث شملت المبادرة 15 بلدا إفريقيا من مختلف الجهات الأربع للقارة، خصوصا منها تلك التي تعاني في صمودها ومواجهتها للوباء.
وفي غياب التفاتات دولية معتبرة وغير مشروطة ومبرأة من الاستغلال والتدخل في الشأن الداخلي الإفريقي، كان الصوت المغربي الممثل في القيادة الحكيمة لجلالة الملك، الداعي مبكرا وفي الأسبوع الأول من أبريل الماضي، إلى دعم دول وشعوب القارة الإفريقية في مواجهتها للوباء، وإلى التفكير في إطار عملياتي يتم من خلاله إرساء حزمة من التدابير المواكبة لجهود الدول الإفريقية في محاربة الوباء، بما في ذلك تقاسم الخبرات والتجارب، وأعرب المغرب عن استعداده لوضع تجربته في مكافحة الوباء رهن إشارة أشقائه الأفارقة، وكان ذلك خلال انشغال دول العالم بشؤونها الداخلية مع الوباء، وفي أكثر أوقات الشدة والحرج والرعب، وإغلاق الحدود، والانكفاء على الذات.
وهاهي المساعدات الطبية المغربية المكونة من معدات طبية وأجهزة من صنع مغربي، تنشئ جسورا جوية رابطة، هي الأولى من نوعها في فترة إغلاق الحدود، بهدف الوصول إلى كل جهات إفريقيا، من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها، لتجسيد أواصر التعاون الإفريقي ـ الإفريقي، ولِنقْل المعدات الطبية والمساعدات الإنسانية، واقتسام جزء من موارد المغرب وخبرته مع أشقائه في هذه الضراء والمضرة، رغم أنه يعاني بدوره من تداعيات الوباء، ويكافح داخليا وعلى جميع الجبهات، من أجل التخفيف من عبء ووطأة النازلة على توازناته المالية والاقتصادية.
ورغم أن المغرب عانى في محيطه الإفريقي من مؤامرات ودسائس لتهميش دوره، والتحريض عليه، ومساومته في وحدته الترابية، فقد ظل في كل المعارك الديبلوماسية التي خاضها دفاعا عن شرعية قضية وحدته الترابية، ينأى بنفسه عن أن ينجر لمبادلة التحريض بالتحريض، والحرب بالحرب، والشماتة بمثلها، وليس أدل على ذلك من أن أعتى الأنظمة الإفريقية القليلة التي تتحمل، منذ عقود من الزمن، وزر التحريض على المغرب، والعمل على عزله عن محيطه الإفريقي، تجد نفسها مضطرة للاعتراف الضمني بالقوة الإقناعية لمبادرات المغرب تجاه قارته الإفريقية، التي لم يتخل فيها يوما ما، وحتى في فترة فراغ مقعده في المنتظم الإفريقي، عن الاستجابة لنداء الأخوة الإفريقية والدم الإفريقي المشترك، والشواهد في ذلك أكثر من أن تذكر، ومصداقيتها هي التي تؤهل المغرب اليوم لتلقى كل مبادراته على الصعيد الإفريقي، الترحيب التام والثقة الكاملة في سمو أهدافها، ونبل مقاصدها، لأنها غير مشروطة بأي مَنٍّ أو أذى.
إن الأمة المغربية العريقة التي قدمت تضحيات من أرواح أبنائها ومن استقرارها بل ومن اقتطاع غادر لأجزاء من ترابها الوطني، في سبيل نجدة أشقاء أو دعم حرياتهم واستقلالهم ووحدتهم الترابية، تجسد في هذه المبادرات الإفريقية القوية مواطنتها الإفريقية وعمقها الإفريقي، الذي يجعلها وشعوب القارة الإفريقية جسدا واحدا، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وهذه هي قيم التراحم والتوادد والتعاطف التي يصدر عنها المغرب الإفريقي العميق ـ قبل أن تكون قيما اقتصادية ومادية لشراكة “رابح ـ رابح”، والتي تجعل المغرب دوما عامل استقرار وأمن في محيطه، وتجعل مساعداته ودعمه خالصين لشعوب الجوار الإفريقي والأوروبي، مهما تغيرت موازين الاقتصاد ومقاييس الربح والخسارة.