الفردوس يكتب : خُطى ثابتة

الفردوس يكتب : خُطى ثابتة

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

ابتداء من منتصف ليلة يومه الأربعاء يمر المغرب إلى المرحلة الثانية من إجراءات تخفيف الحجر الصحي، بعد خطوات متقدمة وثابتة في تدبير تداعيات وباء “كوفيد 19” المستجد، اتخذت فيها جميع الاحتياطات والاحترازات الاستباقية والمواكبة لهذه النازلة الصحية العالمية، وأسفر التدبير المغربي عن الحد من انتشار الوباء ومحاصرته في بؤر صارت الآن متحكما فيها، ومؤطرة بتدخلات قوية من لجن المراقبة واليقظة، ومن السلطات الأمنية والصحية، وصار المواطن المغربي أكثر حذرا واتخاذا للاحتياطات اللازمة في وقاية نفسه ومحيطه من العدوى، وأكثر استعدادا لتغيير عاداته وسلوكاته غير الصحية في الحركة والتنقل والتجمع، وأكثر تفهما لإكراهات الوقاية التي تُلزمه بالانضباط لقواعد السلامة والتقيد بتعليمات السلطات المسؤولة، سواء في تنظيم العمل داخل الإدارات والمؤسسات والمقاولات والمتاجر ومحلات التسوق والخدمات.

سيستأنف المغرب إذا يوم الخميس حياة عادية وطبيعية جديدة، بعد ثلاثة أشهر من الحجر الصحي المتدرج، وستفتح معظم الفضاءات والملاعب والقاعات المغلقة على العموم، وسيتم التخفف الجزئي من رخص التنقل، وكل ذلك تحت المراقبة الإدارية أوَّلا، وتحت مسؤولية المواطنين الذين اكتسبوا خلال الأشهر الثلاثة من الحجر الصحي، مناعة سلوكية ونفسية، تسمح لهم بتحويل الرقابة الخارجية على سلوكاتهم إلى رقابة داخلية وأخلاقية، وإلى آداب في المعاملة والتنقل والتحية والسلام والملاقاة والاجتماع والمحادثة والمؤاكلة… يفرضها زمن الوباء، أي إلى ضميرٍ مدني مواطنٍ حيٍّ ويقظٍ لا يتهاون في التزاماته الجماعية باستعمال أنظمة الحماية لنفسه ولأسرته ولغيره من مخالطيه، ويَحْذَرُ من سبْق أوهام انتهاء الوباء وضعف الفيروس وتوقف خطورته، فالوباء لا زال في حالات كمونه واستعداده لجولة جديدة من الفتك بالأرواح، إذا ما أتحنا له فرصة التنقل والتجول بحرية بين أنفاسنا.
لاشيء إذا يبرر للمواطنين وأرباب المقاولات والمشغلين، في فترات الرفع التدريجي للحجر الصحي، أن يتدفقوا لكسر الحواجز المادية والمعنوية أو غزو الأسواق وفضاءات الاختلاط بالكثافة السابقة والمعهودة، أو يتهاونوا في اتخاذ التدابير الاحترازية والتنظيمية لفترة رفع الحجر الصحي، أو يرفعوا من تلقاء أنفسهم ما تبقى من قيود السلامة والاحتياط، فالكل مسؤول عن أي سلوك متهور يبدر منه في سياق عودة الأنشطة إلى الفضاء العام، والجميع ملزم بمواصلة احترام ما تقرر في فترات الحجر والطوارئ الصحية، من تباعد وحرص على مسافة الأمان، ومن وضع الكمامات، وتنظيف الأيدي والمحلات وتعقيمها، وغيرها من التدابير التي لا يمكن رفعها الآن أو حتى في وقت قريب.

لقد طويت مرحلة الحجر الصحي الكلي على المواطنين، ودخلت مرحلة سهر المواطنين أنفسهم وموظفي القطاعات العامة ومستخدمي القطاع الخاص، والمشغلين وأرباب الصناعات والخدمات والتجارات، على صحتهم وسلامتهم، هم ومن تعلقت بهم حقوقهم من أبناء وأهل ومستخدمين، إلى حين وصول السفينة المغربية إلى بر الأمان، واجتيازها المحنة بتعاون الجميع، ونجاتها مما أصاب سفن دول وشعوب تراخى ربابنتها وأهلها عن تدبير المخاطر واستباق العدوى.

إن الدرس المغربي في تدبير هذا الوباء العالمي، هو حصيلة تاريخ من الحكمة والحكامة، تميز فيه المغرب بالصبر والثبات وقوة العزيمة، والتعاون والتضامن، والسير بخطوات ثابتة إلى الأمام. ففي كل القضايا الكبرى للأمة والنوازل العظمى التي حلت بالبلاد، كانت الخطوات الثابتة والحكيمة والتعبئة الجماعية المثلى، سبيل هذا البلد في انتصاراته التاريخية، وفي اجتيازه لأشد المحن والامتحانات، وما الخطوات الجماعية التدريجية المدروسة التي اتخذت ولا تزال تتخذ، وتَعِد بمزيد من النجاحات، بصدد مواجهة وباء “كوفيد 19″، إلا صورة مصغرة عن حكمة وحكامة تدبيرية متجذرة في الحضارة المغربية العريقة، تتجسد أبلغ ما يكون في فترات الشدة والضراء والبأساء، لدفع ضرر والحد من معاناة.

سنبدأ يوم الخميس حياة جديدة ونستأنف دورة العمل والإنتاج، وينبغي أن لا نفسد أجواء فرحة العودة التدريجية إلى الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، بسلوكات فردية ارتدادية متهورة غير محسوبة العواقب، والتي من شأنها أن تحيي المخاوف والمفازع، وأن تُقَرِّبنا من خطر بَذلْنا كل طاقاتنا المادية والمعنوية لإبعاده واجتنابه. فليتحمل الجميع مسؤولية حماية حياتهم الجماعية الجديدة من انتكاسة تعيدهم بالضرورة إلى الحجر الصحي التام، وإلى ما أكبر منه وأشد، مِن ضيق العيش وموت القريب، والرزية في الأهل والولد والإخوان، مما لا نتمناه لأحد منا.

فشيء من الالتزام والاتزان والانضباط لمقتضيات الخطوة الثانية في إجراءات الرفع التدريجي للحجر الصحي أو التخفيف منه، والثقة بعد ذلك في أننا سنتغلب على الوباء بكل هذا الرصيد الوطني من التعبئة والتعاون والتناصح.

اترك تعليقاً

Share via