الفردوس يكتب : عين الاستفزاز

الفردوس يكتب : عين الاستفزاز

حينما يتعلق الأمر بقضية الصحراء المغربية، لا يتوانى حكام الجزائر عن ترك كل الملفات الحارقة والضاغطة داخليا وإقليميا ودوليا جانبا، للتفرغ من أجل تدبيج بلاغات الاحتجاج والغضب، فتجدهم أول من يعلق ويرغد ويزبد. فبعد وصفها بالاستفزاز، إقدام الدولة العربية الإفريقية لجزر القمر على اتخاذ قرار سيادي لا دخل للجزائر فيه، يتمثل في فتح قنصلية لها بمدينة العيون عاصمة الأقاليم الجنوبية المغربية، هاهي تصف قبل أيام في بيان الخارجية الجزائرية، فتح جمهورية غامبيا لقنصليتها بمدينة الداخلة بوابة المغرب على القارة الإفريقية، بالأوصاف القدحية نفسها، من “استفزاز” و”انتهاك للقانون الدولي” و”تقويض لمسار التسوية” وغيرها من عبارات التدخل السافر في الشأن السيادي والداخلي للدول، والتي تدين الجزائر أمام قطاع من الرأي العام الدولي الذي لا يزال يصدق أن هذا البلد الشقيق والجار، ليس طرفا في نزاع الصحراء، وأن موقفه حيادي من النزاع، وأنه يدعم الحل السياسي لتسويته، وما إلى ذلك من دعاوى يكذبها واقع الحال الذي لا يرتفع، وهو أن هذا البلد الجار أول من أشعل فتيل النزاع، وأول من مده بالسلاح والحديد والنار، وأول من جمع الأحلاف وطاف بأطروحة الانفصال مختلف المحافل الدولية، وأول من عبَر القارات بحثا عن موطئ قدم للعصابة الانفصالية ومدها بكل أسباب البقاء والتطاول، وهو اليوم أول من يرد على هذه الدولة أو تلك في اختياراتها السياسية والمبدئية مساندة المغرب، أو حتى نفض اليد من التدخل في النزاع وترك تدبيره للمنتظم الأممي، أو سحب الاعتراف بالكيان الانفصالي الوهمي.

فكم دولة سترد عليها الجزائر ببيانات خارجيتها المتتابعة والمتلاحقة، ونحن نشهد عودة الوعي إلى دول إفريقية وأمريكية لاتينية، كانت حجر الزاوية في البروباغاندا الجزائرية؟ وهل لدى النظام الجزائري الثابت على عدائه المطلق للمغرب، من الوقت الكافي لملاحقة كل تطورات الأحداث بشأن الصحراء المغربية، وتعقبها بالرد عليها والاحتجاج، والمناداة بالويل والثبور، ورَكْنِ كل الأزمات الداخلية الجزائرية والتطورات الخطيرة التي تعرفها المنطقة المغاربية، والتحديات الكبرى التي تواجهها القارة الإفريقية، لمواصلة التوغل والتغول والتورط في ملف الصحراء الذي أخرجته الجزائر ومثلت فيه دور البطولة،وصنعت كل حلقات مسلسله العدواني حلقة حلقة؟ فمتى الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل الطويل والممل الذي لم يعد يغري أحدا بمتابعة كوابيسه؟ ولعل هذا الملل هو ما دفع ويدفع كثيرا من النظارة الكرام ومن المنتظرين طويلا لنهاياته السعيدة التي تؤجلها الجزائر، وتشوق جماهيرها بوساطة كوابيس جديدة، وسيناريوهات الإطالة إلى ما لا نهاية، دفعهم إلى قطع انتظار نهاية المسلسل وحلقته الأخيرة بالذات، بأن يصحوا ويستفيقوا من التخدير السينمائي، ويتوجهوا مباشرة إلى الواقع الذي تكرسه السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية الجنوبية، مغرب آخر يبنى ويشيد ويتوحد من طنجة إلى الكويرة، ويمد يد التعاون والتبادل الاقتصادي والثقافي مع دول العمق الإفريقي، وطبيعي أن تبادله هذه الدول تعاونا بتعاون وخيرا بخير، وأن تختار توقيت فتح قنصلياتها ومكانها في أية مدينة مغربية يوجد بها رعاياها ومصالحها، في طنجة وفي الرباط وفي الدار البيضاء وفي مراكش وفي العيون وفي الداخلة. فما دخل الجزائر في الموضوع؟ ومن نصّبها وصيا على إفريقيا، وراعيا للمعاهدات والاتفاقيات الدولية وناطقا باسم القانون الدولي، حينما تولت دون غيرها من الدول ودون المنتظم الأممي نفسه مهمة الحديث عن انتهاكات للقانون الدولي في فتح قنصليات في المغرب؟ وكم دولة ستدينها الجزائر بسبب فتح قنصلياتها في مدن أقاليمنا الجنوبية، وعدد منها في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية مرشح للالتحاق بقافلة فتح القنصليات بالصحراء المغربية؟ لن يكفي الخارجية الجزائرية برميل حبر لتحرير بيانات تصدرها وتُكرِّر فيها عبارات الإدانة نفسها باستفزاز غير حاصل ولا انتهاك غير حادث، وسيصير أمر هذه البيانات طقسا احتفاليا وعزائيا جزائريا كل أسبوع وكل سنة، مع تكرار سحب الاعترافات بالكيان الوهمي، والإقرار بشمول اتفاقيات الصيد البحري والفلاحة مع دول الاتحاد الأوروبي لمجموع تراب الصحراء المغربية، وتأكيد الكونغريس الأمريكي في مشروع ميزانية 2020 شمول اعتمادات التعاون المخصصة للمغرب كل جهاته وأقاليمه غير منقوصة، وعبور رالي دكار من أقاليمنا الصحراوية محفوفا بالأمن والسلامة، وسط الاستنكار والاستنفار والتهديد والوعيد من الضفة الأخرى بالجزائر، وهلم انتكاسة للاستفزاز الجزائري، فهل لهذه الدولة الشقيقة والجارة من الصبر على كل هذه الهزائم المتلاحقة، المنذرة بغيرها القادم؟ ومن أين لها كل هذا التعنت الفارغ وهي ترى عدم التجاوب الدولي مع مغالطات وجود “انتهاك للقانون الدولي” في فتح قنصليات أو في استجلاب خير لساكنة الصحراء المغربية وأهلنا في هذه الأقاليم؟
لا يسعنا إلا أن نقول حسنا فعلت الجزائر في انتفاضتها الدائمة هذه المعبرة عن واقع الحال، وتحت مرأى ومشهد من العالم، وهو أن ملف نزاع الصحراء هو ملف طرفاه الجزائر والمغرب، والباقي تفاصيل مملة، ودمى متحركة، وأقنعة لإخفاء الوجه والهوية. وحسنا سنفعل حينما نفتح إن عاجلا أو آجلا الملفات الحقيقية للنزاع الجزائري المغربي التي يغطي عليها النظام الجزائري بمثل هذه الخرجات المنكرة ويصرف الأنظار عنها؛ملفات الحدود التي لم تسو بعد، وملفات الأراضي المغربية التي ضُمت إليها إبان الاستعمار الغاشم، ومنها أرض تيندوف التي أسكنت فيها الجزائر فلول العصابة الانفصالية، واتخذتها منطلقا للعدوان على بلادنا، واستفزاز شعبنا.

إن مصير اللعبة الاستفزازية الجزائرية إلى مزبلة التاريخ، حينما سيرتد كيد نظامها إلى نحره، ويفتح الطريق أمام علاقات أخرى بين البلدين والشعبين الشقيقين ملؤها الاحترام وعلاقات حسن الجوار والتعاون على بناء تجمع إقليمي أكثر اتساعا لحفظ الحريات والحقوق والشراكات المنتجة، وقبل ذلك حفظ الذاكرة المشتركة للكفاح من أجل التحرر من ربقة الاستعمار واحترام الوحدة الترابية لبلدينا.

اترك تعليقاً

Share via