الفردوس يكتب : في استدامة التعبئة
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
تتطلب منا حساسية الظرفية الحالية التي يدخل فيها المغرب أوج المرحلة الثانية من خطة مواجهة فيروس كورونيا، بعد أن ربح معركة تنزيل حالة الطوارئ الصحية وإجراءات العزل والحجر المنزلي، مزيدا من تشديد الرقابة على حركة التنقل والسير والجولان بين الأحياء والمدن، ومزيدا من حظر التجمعات البشرية في الأسواق والأزقة والشوارع والإدارات، ومزيدا من التذكير بإجراءات الوقاية من نظافة وتطهير والتزام التباعد الاجتماعي ووضع الكمامة، ومزيدا من التوسع في إجراء التحاليل والرصد والكشف المبكر عن الإصابات، والإسراع في ضبط المخالطين وحصرهم، وغير ذلك من الإجراءات التي يرتقب أن تحسم خلال الأيام المقبلة في الوضعية الوبائية لهذا الفيروس ببلادنا؛ فإما أن ننجح جميعا، بتعاوننا وتضامننا وامتثالنا لتوجيهات وتعليمات السلطات الأمنية والصحية، في محاصرة الوباء تمهيدا للقضاء النهائي عليه بمشيئة الله، وإما أن ننتكس بكل المجهودات والمكتسبات ونهدرها، ونُدخِل بلادنا، لا قدر الله، منعطفا خطيرا وانحدارا مخيفا في اتجاه المرحلة الثالثة من الوباء والتي لا تعني شيئا آخر غير الانتشار الواسع للفيروس، وعودتنا إلى نقطة الصفر في مقاومته.
لذلك اعتبرنا هذه الظرفية الوسطى والانتقالية المتأرجحة بين طرفي البداية والغاية، على درجة كبيرة من الحساسية، لأن فيها يتقرر مصير هذا الفيروس، بل مستقبل البلاد والعباد. لذلك كان لزاما علينا أن نحذر من سلوكات ومواقف لاحظناها، ونخشى أن تؤثر سلبا في التعبئة الجماعية لالتزام العزل المنزلي والحجر الصحي، وعلى رأس هذه السلوكات والمواقف تعالي أصوات بالضجر والتذمر والتضايق من تقييد الحركة والتنقل، ومحاولة التحلل من التزامات الحجر، فإنْ هي إلا أيام معدودة من الصبر والشدة على النفس، وشيء من التضحية، يعقبها لا محالة انفراج وعودة الحياة إلى ما كانت عليه. وتنضاف إلى مظاهر التذمر هذه، بعض التدخلات المنحرفة والمشوشة على شكل تصريحات أو إفادات أو شروحات أو فتاوى أو توقعات، تضفي على نفسها صبغة البحث العلمي الطبي أو الديني، أو التحليل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتعطي نفسها، خارج المؤسسات الرسمية الحصرية المسؤولة والموثوق بها، حق الخوض في الوضعية الوبائية بالبلاد بكثير من المجازفة بالتهوين أو بالتهويل، أو توجيه المواطنين ونصحهم، والتأثير على صمودهم وأملهم في تجاوز هذه الوضعية؛ ومن أمثلة هذه التدخلات المشوشة، قيام عدد من المحللين بتقديم استنتاجات سابقة لأوانها، وقراءة الأرقام الإحصائية اليومية للوضعية الوبائية، بما يشبه قراءة الفنجان، علما أن الخبراء الصحيين في الوباء، وإلى غاية اليوم، لا يعطون دلالات حاسمة وقطعية مطمئنة أو مخيفة لأرقام وإحصاءات المصابين والمخالطين والمتعافين والمتوفين، في انتظار استقرارها، ولا يعتبرون أن انخفاض عدد المصابين أو المتوفين يعني أننا تجاوزنا منطقة الخطر، ولا أدل على ذلك من الحديث في بعض الدول التي رفعت الحجر الصحي أو التي تتهيأ لرفعه، أو التي أعلنت عن صفر إصابة جديدة، عن عودة للفيروس أو عن تخوفات من ظهور بؤر جديدة له، تنذر برفع حالات الإصابة واتساعها.
إن استدامة التعبئة الوطنية واليقظة الصحية والأمنية، مسؤوليتنا جميعا في مساعدة بلادنا على الخروج آمنة سالمة من هذه المحنة، وذلك بعدم إرباك حسابات اللجنة الوطنية لليقظة والرصد، وعدم تشتيت جهود السلطات الأمنية والصحية التي باتت تتوفر على خارطة طريق للتحكم في الوباء، وعلى معطيات علمية مدققة عنه، وعلى آليات للرقابة والفحص والتشخيص. ويعتبر كل تراخ أو فتور في التعبئة مساهمةً في تعقيد مهمة هذه الجهات المسؤولة الساهرة عن تدبير هذا الوباء، وفتحا لجبهات منازعَة ومخالفَة ليس الوقت مناسَبةً لها.
لقد فرض وباء كورونا تحديات جديدة على بلادنا، ونحن على يقين أننا سنكسبها كما كسبنا ما هو أشد منها في فترات من تاريخنا الوطني، بفضل التعبئة الجماعية والتضامن والتآزر في المنشط والمكره، وعدم الاستسلام أمام هول المعركة وضراوتها. حيث انتزعت بلادنا تصفيقات العالم المتقدم، بعد الإجراءات الاستباقية والعلاجية والرقابية التي تم اتخاذها في حينه للحد من تفشي الوباء ومن تداعياته، والتي نجحت إلى غاية اليوم في تجنيب بلادنا سيناريوها مأساويا، وتفادي انهيار صحي وأمني واجتماعي كان الجميع يتوقعه، استنادا إلى مقارنة هشاشة إمكانات بلادنا بقوة إمكانات الدول المتقدمة التي اكتسحها الوباء، وأسقط منظوماتها الصحية في الفشل والعجز عن إنقاذ آلاف من مواطنيها المصابين بالفيروس.
فرَجاءً…نريد من المتهورين والمستهترين والانتهازيين، أن يكفوا عن تحدي هذه التعبئة المتبصرة، وعن التشويش على الحجر المنزلي، وينتهوا عن خرق حالة الطوارئ الصحية وقيود حركة التنقل، فلا الوطن ولا المواطنون سيغفرون لهؤلاء انفلاتاتهم وسلوكاتهم السلبية الضارة والمؤذية، بعد كل هذه المكتسبات الجماعية الإيجابية والجليلة في الحفاظ على الأمن الصحي والغذائي والاجتماعي والروحي للمواطنين، وبعد التحكم التدريجي في مؤشرات مقاومة هذا الوباء والتعافي منه.