الفردوس يكتب : ما مصير مبادرة الرفع من الدعم العمومي للأحزاب؟
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
في إطار المواكبة الملكية للهيئات السياسية، وتحفيزها على أداء دورها التأطيري والتأهيلي للمواطنين، وتمكينها من تجويد تدخلاتها السياسية والتشريعية والتدبيرية للسياسات العمومية، والعمل على استقطاب وإفراز نخب جديدة ومؤهلة لتنزيل المشاريع، وقيادة المحطات الجديدة لاستحقاقات مغرب العشرية الثالثة من هذا القرن،ودعم تمثيلية الشباب والنساء والطاقات الحزبية الخلاقة والابتكارية، وإنتاج الأفكار والمقترحات والمبادرات، وجه جلالته في افتتاح الدورة البرلمانية لعام 2018، أنظار الحكومة إلى إيلاء هذا الموضوع ما يستحق من خلال ترتيب الإجراءات القانونية والمالية للرفع من الدعم المالي العمومي للأحزاب السياسية، ودعا إلى تخصيص جزء منه لتأطير الكفاءات التي توظفها الأحزاب السياسية وتدريبها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار، وطرح أساليب جديدة في العمل السياسي، والتواصل مع المواطنين.
وسبب العودة إلى هذه الدعوة الملكية، مرور أزيد من سنة على طرحها، من غير أن تقوم الحكومة خاصة، باتخاذ أي إجراء لترجمتها وتفعيلها، أو حتى التداول بشأن كيفيات تنزيلها، شأنها شأن كثير من المبادرات والتوجيهات والتوصيات ومقترحات القوانين والمشاريع المبرمجة التي تنتظر مع المنتظرين إفراج الحكومة عنها وتذليل الصعوبات التي تحول دون تفعيلها، خصوصا وأن الطرح الملكي لهذه المبادرة جاء في سياق إصلاحي دقيق تترابط حلقاته، ويتصل بشكل خاص بتمهيد الأرضية لتنزيل جيل جديد من المشاريع الحيوية والاستراتيجية، والذي تعتبر الهيئات السياسية والمدنية والمؤسسات الدستورية والديمقراطية حلقة من الحلقات الكبرى التي ينبغي تقويتها ودعمها من أجل تحسين أدائها وتجويد أساليب عملها بما يتناسب مع المرحلة الجديدة التي ينعطف إليها المغرب نحو إرساء نموذجه التنموي الجديد، مع ما يتطلبه ذلك من تعبئة القوى الحية في البلاد وأطرها وكافة الفاعلين والمواطنين لإنجاح استحقاقاتها، وكسب رهاناتها. وقد أشار الخطاب الملكي حينها إلى اندراج مبادرة الرفع من الدعم العمومي للأحزاب السياسية في إطار التعبئة الوطنية الشاملة التي تتطلب توفير مناخ سليم لتنزيل العديد من الإصلاحات، وإعطائها دينامية قوية.
لعل الحكومة وعلى رأسها رئيسها، لم تدرك بعد هذا الخيط الناظم الذي تنتظم وفقه مجموع الاستحقاقات الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي تتحرك في إطاره المبادرات الملكية، ألا وهو التعبئة الجماعية باعتبارها أرضية صلبة للتمكين للنموذج التنموي الجديد، سواء على مستوى الإعداد والإرساء أو على مستوى التفعيل والتنزيل، ففي غياب تأهيل الهيئات السياسية للاضطلاع بدورها الاقتراحي والتأطيري، يستحيل أن تفرز النخب والأطر المستقبلية التي سنضع في أيديها مفاتيح مستقبل الإصلاحات، ويستحيل أن تجود من أدائها وهي تتخبط في مشاكل لا حصر لها، وعلى رأسها عجزها المالي والمادي عن تمويل التكوينات والتداريب والملتقيات والتأهيلات والاستقطابات للكفاءات. فالناظر إلى مقرات أحزابنا السياسية وفراغها من الحركية والدينامية التنشيطية والتأطيرية، سيكتشف حجم العطالة والتعطيل لأدوار الهيئات السياسية، نتيجة ضعف موازناتها المالية، وحاجتها إلى سد الخصاص في التمويلات الضرورية التي تغطي نفقات دعم تأطير الشباب وتوظيف الكفاءات، والاستعانة بالخبرات التي ستؤهل الأطر المستقبلية للبلاد، وتحسن من جودة التشريعات والمقترحات.
لا شك أن أبرز معضلة واجهت تجديد دماء الحكومة في نسختها الجديدة كان هو ندرة النخب والكفاءات الجديدة الممثلة للشباب والنساء، نتيجة توقف الأحزاب السياسية عن إنتاجها، وأبرز معضلة سيواجهها النموذج التنموي الجديد حين اكتمال معالمه وملامحه، وحين إرساء نسخته وطرح توصياته، هي من سَيُفَعِّلُ هذا النموذج ويقوم بتنزيله وتعبئة الكفاءات السياسية العملية المدربة والمناسبة لترجمته إلى إجراءات قابلة للتنفيذ والتتبع والتقويم والإغناء.
إنه لمن المستعجل بمكان في ظرف التعبئة الجماعية لإرساء النموذج التنموي الجديد، وخلال هذه المدة القصيرة التي تفصلنا عن الاستحقاقات الانتخابية القادمة، أن يتم تذكير رئيس الحكومة بواجب التفاعل مع التوجيهات الملكية الداعية إلى الرفع من الدعم العمومي للأحزاب السياسية، حتى تتمكن من تغطية الاعتمادات المالية المخصصة لفائدة الكفاءات التي توظفها، وتفتح مقراتها المعطلة على التأطير والتكوين والتدريب وسائر الأنشطة التي تعيد بها الاعتبار لمكانتها في المجتمع وفي قلب المؤسسات الديمقراطية الوطنية، هذا إن كانت لدى رئيس الحكومة بالفعل إرادة سياسية للتجاوب، بحسب اختصاصه، مع هذا المطلب السياسي والقانوني، والتعبير عن روح المسؤولية، ومراعاة المصلحة العليا للبلاد، والمساهمة في تنشيط الحياة الحزبية الوطنية الراكدة، واحترام الحق في الاختلاف، بغض النظر عن انتمائه إلى هيئة سياسية قد تكون في غنى عن أموال الدعم العمومي، فهذا الغنى والاستغناء لا يبرر تجاهل حيوية هذا الدعم بالنسبة لباقي الهيئات السياسية التي تسعى جاهدة للنهوض بأدوارها في التأطير والتواصل والتأهيل والتكوين وإنتاج نخب وخبرات للإدارة والتسيير والتدبير، في ظل شح للموارد المالية والمادية.