تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة
لا يتأتى إرساء مرتكزات تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، بوزارة التربية الوطنية، إلا بمورد بشري متخصص؛ وهو ما عبرت عنه جل المذكرات التنظيمية في المجال؛ بل إن توفير هذا المورد البشري وتكوينه شكل التزاما وقعته الوزارة أمام الشركاء. فما هي وضعية متخصصي التربية الخاصة، العاملين بالإدماج المدرسي لذوي الاحتياجات الخاصة، بمنظومتنا التعليمية؟
الحاجة المعبر عنها من المورد البشري المتخصص
دعت الدعامة الرابعة عشرة، من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، إلى تجهيز المؤسسات وتزويدها بأطر خاصة لتيسير اندماج الأشخاص في وضعية إعاقة، وكانت هذه الدعوة مرتكزا لاتفاقيات وعقود شراكة، التزمت فيها الوزارة الوصية- من بين ما التزمت به خطيا- بتوفير وتكوين الموارد البشرية؛ التربوية والإدارية المختصة، لتأطير الأقسام المدمجة. وكانت الاتفاقية الرباعية التي أبرمتها وزارة التربية الوطنية، في فاتح أبريل 2006، مع القطاعات الحكومية المعنية، أمام حضرة صاحب الجلالة محمد السادس، من أبرز هذه الاتفاقيات وأشهرها. بعدها أصدرت الوزارة مذكرات تنظيمية تدعو فيها مصالحها المركزية والجهوية والإقليمية إلى توفير الأطر التربوية المؤهلة لدعم تمدرس هذه الفئة، وضمان تكوينهم المستمر؛ وتمكين كل المنتسبين للأقسام المدمجة من الاستفادة من تأطير هؤلاء المختصين.
وضعية المورد البشري المتخصص
ينقسم المورد البشري المتخصص، في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، بوزارة التربية الوطنية إلى صنفين:
الصنف الأول هم أساتذة القسم المدمج؛ وهم اللذين يستقبلون مجموعة صغيرة من الأطفال، متجانسي الإعاقة، داخل حجرة دراسية، في مدرسة ابتدائية عمومية. ويتم انتقاء هؤلاء الأساتذة بناء على معايير أهمها المبادرة والتطوع. غير أن اختلاط أصناف الإعاقة بهذا القسم؛ وتحميله فوق طاقته الاستيعابية، وتواجده خارج التغطية والحكامة المطلوبة دفع بهذه الفئة من الأساتذة إلى الاحتراق النفسي والشعور بالعزلة والتهميش عن الحياة المدرسية؛ فضلا عن عدم تعويض المحالين منهم على التقاعد بأطر جديدة وشابة.
والصنف الثاني هم الأساتذة خريجو كلية علوم التربية؛ حاملو شهادة الميتريز، تخصص التربية الخاصة بالمعاقين، تم تعيينهم سنة 1999 وتكليفهم بمهمة التنسيق الإقليمي، في مجال الإدماج المدرسي لذوي الاحتياجات الخاصة، في جل نيابات المملكة بمذكرة تحت عدد 4/4286 بتاريخ 6 شتنبر 1999، مرفقة ببيان يسند إليهم مهام يمكن اختزالها في الإشراف والتأطير والتقويم وبناء الاستراتيجيات في هذا المجال، وأشرفت الوزارة على استمرارية تكوينهم داخل الوطن وخارجه. غير أن تراجع الوزارة عن التزاماتها المعلنة في هذا المجال، جعل أفراد هذه الفئة يباشرون مهامهم التنسيقية في ظروف قاسية من الغربة والتهميش وعدم الاعتراف من الإدارة المركزية؛ وكذا من الأطراف الأكاديمية والنيابية. وطال هذا الإقصاء شهادة التخصص (= الميتريز من كلية علوم التربية )؛ التي تم إبعادها عن قائمة الشواهد المولجة إلى الترقية وإلى النظام الأساسي، رغم إدراجها ضمن هذه القائمة في قرار لوزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة رقم 2273.14 الصادر بالجريدة الرسمية عدد6268. كما داست الوزارة، من قبل، قرارا لمعادلة الشهادة نفسها لوزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم 2317.98 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4661.
المورد البشري المهدور
إن البيئات البيروقراطية لا تنتج خبرات وطنية؛ وبالأحرى دولية. وإن تكريس الوضعية البئيسة للمورد البشري المتخصص، في تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، بوزارة التربية الوطنية، تجفيف مقصود لمنابع التجربة الوطنية، التي انطلقت منذ تسعينيات القرن الماضي، في هذا المجال؛ ودفعها إلى الإفلاس الممنهج. وكأن (حكرة) الإعاقة أصبحت- في بلادنا- تطال كل ذي صلة بها: حاملها ووالدها ومتخصصها.. وإنه لم يعد بمقدور كل معني بتمدرس هذه الفئة؛ أمهات وآباء وممارسين ومختصين..، تحمل حالة الفصام بين مذكرات والتزامات مبهرة، في المناسبات والمحافل، وبين تدابير عملية تكرس لاستراتيجية مضادة، مجهولة الاتجاه، وغير محمودة العواقب. وإن استئناف وزارة التربية الوطنية لأية تجربة جادة في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة رهين بتسوية وضعية المتخصصين العاملين بالقطاع.