فوزية لبيض:الحق الدستوري في الحصول على المعلومات

فوزية-البيض

 

 

فوزية لبيض

في زمن الثورة المعلوماتية، نعتبر أن الحق في الحصول على المعلومات هو مدخل أساسي لارساء الديمقراطية الحقة، لبناء المجتمع المنفتح، لمحاربة مظاهر الرشوة والفساد، و للتصدي لأنواع الجرائم، و لربح ثقة الرأي العام المحلي والوطني و الأجنبي. ان تيسير الولوج للمعلومة يفعل دور الإعلام، الذي يضطر جزء منه في العديد من المناسبات إلى التغذي من خطاب الإشاعة. كما يلعب هذا الحق دورا مركزيا في تعزيز ثقافة المساءلة والمراقبة التي يقوم بها البرلمان. بل وينمي قدرة المواطنين على تتبع عمل البرلمان و مراقبة قرارات الحكومة، تعزيزا للتنمية القائمة على ثقافة المشاركة، حيث أصبح من حقه التقدم بملتمسات وعرائض.لأن الحصول على المعلومة الصحيحة يساهم بشكل أو بآخر في صناعة القرار الوطني الصائب ويقويه. لأننا على مستوى الواقع، نجد أن الحصول على المعلومات فيها الكثير من الشح والتعتيم، بغض النظر عن قيمة هذه المعلومة أو مستوى أهميتها.

لقد واكبنا الندوة الوطنية حول الحق في الحصول على المعلومة، التي كانت محطة هامة فتحت باب النقاش على مصراعيه،  خولت لنا فرصة البحث لتقديم مقترحات، وصياغة مذكرات وتقارير وفق المعايير الدولية في هذا الباب. ننتظر بعد دراسة هذا المشروع والتصويت عليه، ان يعمل التنزيل على ترسيخ المبدأ الدستوري القاضي بتيسير الولوج الى المعلومة، بعد أن حددنا الاستثناءات بدقة كفرع وليس كأصل، كنا نأمل تبسيط مسطرة الطلب تفاعلا مع التوصيات التي جاءت بها المقاربة التشاركية لكي لا يكون التشاور شكليا فقط.

الحق في الحصول على المعلومات وطلبها حق تكفله المادة 91 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. و يجد شرعيته في دستور 2011 الذي نص في الفقرة الأولى من فصله السابع والعشرون على أنه “للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا انتقال ديموقراطي حقيقي، ولا تنمية اقتصادية ولا سياسية فاعلة، و لا ثورة ثقافية ولانهضة إعلامية مؤثرة، و لا بناء مواطنة ملموسة، إلا بجعل الحق في الحصول على المعلومة أمرا سلسا، ومحميا بالقانون وفق أجندة الاصلاحات الدستورية التي انخرطت فيها المملكة المغربية.

لماذا ؟ لأن محاربة التعتيم وترسيخ مبدإ الحق في الحصول على المعلومات، هو مقياس موضوعي لشعور أي أمة بمدى ثقتها في نفسها وقدرتها على ممارسة مجموعة من الحريات و الحقوق، و في مقدمتها حريات التعبير و التعليق والنقد و النشر و التوزيع، مثلها مثل حق المواطن في الولوج الى خدمات عمومية كالصحة و التعليم و العدالة وتوزيع العادل للثروة والعيش الكريم. كلها حقوق يجب أن تؤخذ على قدم المساواة.

لكننا بالمقابل، نحن أمام تحديات أمنية كبيرة وأمام أعداء وحدتنا الترابية، لذلك نتفق حول الإستثناءات ونرى أن بعض المعلومات التي تلامس الأمن الشامل لها جزء من القيمة الاعتبارية و الرمزية أو لنقل القدسية، و بالتالي يكون من الواجب الوطني علينا تحصينها بسياج منيع وحمايتها، و لكن في حالات حساسة، استراتيجية، دقيقة يجب أن نفصل فيها وندخلها في خانة القضايا ذات الطابع الخاص لكي لا نقول السري.

لهذا ففي الصياغة اقتراحنا التضييق في إجراءات المنع في تزويد المعلومة لمن يطلبها من المواطنين، وأن نفصل بالدقة اللازمة، وأن نسمي الأشياء بمسمياتها مع ذكر تفاصيل الوقائع وجزئياتها الدقيقة لوضع اليد على الآثار والتبعات السلبية في حالة البوح بها وكشف مكنونها ومؤشراتها التي يمكن استغلالها ضد مصالح الوطن، مثل كل ما يتعلق بما هو أمني أو عسكري أو خزان للموارد المتعلقة بالأمن الاقتصادي المستقبلي.

عدا ذلك نؤكد على تضييق مساحة المنع، و تغليب ثقافة الانفتاح والانتصار لمنطق الأحقية في المعرفة التي يمكن أن يستثمرها الباحث والصحفي والمواطن درءا للفتنة ومحاربة للتضليل الذي تغذيه ثقافة الإشاعة وبيع الوهم في زمن حرب الصور، وانفتاح قنوات التواصل على مصراعيها والتي تخطت في ولوجها كل مؤسسات الرقابة وكل الحدود الممكنة، لكي لا نجعل من بعض الجهات الإعلامية المعادية أو الاجنبية مصدرا موثوقا للمعلومات، خاصة المتعلقة منها بقضيتنا الوطنية. فالإعلام سلاح ذو حدين، لأن له وقعا كبيرا في صناعة الرأي العام. لهذا يجب على إعلامنا العمومي أن يلعب دورا حقيقيا في التزيد بالمعلومة الصحيحة وتوجيه وتأطير المواطن والتأثير فيه عن طريق المعلومة السليمة بعيدا عن كل تنميق أو زيادة أو نقصان.

ها قد عشنا في عمر هاته الولاية التشريعية، التي تشرف على نهايتها، على مطمح الحكومة الالكترونية، ما عدا وزارة العدل، فجل المواقع لا تستجيب للمعايير التي وضعتها اللجنة الوزارية للحكومة الإلكترونية ونسبة منها لا تحين. لأن مواقعها لم تتضمن المعلومات الجوهرية التي يبحث عنها المستخدم، بل اكتفت بنشر أخبار مؤسسة الحكومية ومنجزاتها، كأننا أمام موقع حزبي يشيد بمنجزات من يمثلوه داخل السلطة التنفيذية. لذلك بقي مستواها لا يفي بالغرض. في وقت لا زال الحق في الحصول على المعلومة متاحا لدائرة صغيرة وضيقة من المسؤولين الحكوميين خاصة منها المرتبطة بالعلاقات الدبلماسية بالمجال الصناعي والاقتصادي ناهيك عن العسكري.

نطلب أن تتحلى مؤسسات الدولة بالجرأة والمرونة في هذا الباب، و في حالات حق الصمت يجب تقديم مسوغات مهضومة تغلق باب التأويلات أو القراءات المتعددة التي تفتح نوافذ الفتنة أو الشحن أو التحامل المجاني. ذلك لاعتقادنا الراسخ بأن المجتمعات التي تجعل من المعلومة عملتها الرائجة على امتداد اليوم والليلة، هي مجتمعات ليست لها عقدة التصريح لأنها مبنية على أسس ديمقراطية قوية و شفافة.

لكننا نؤكد أنه لا ينبغي إطلاقا المراهنة على مقتضيات قانونية تتجه نحو تقييد حق الحصول على المعلومات مهما كانت طبيعتها، لأنه كلما كانت المعلومة موجودة و متاحة للجميع، كلما كان بناء صرح دولتنا يرصي قواعد الممارسات الديموقراطية، كلما كان البناء متينا يتم فيه التفاعل مع مجريات الأمور والأحداث بأريحية تحترم ذكاء المواطن في زمن شاشات الهواتف الذكية حيث التدفق السريع والمتنوع للمعلومة. وتوفرها يعَد محرار الديمقراطية واوكسجينها.

لا يفوتني في هذا اليوم التاريخي في حياة المؤسسة التشريعية بالمغرب، القول أن المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للأشخاص يجب احترامها، مثلما يجب احترام مؤسسة القضاء الذي من المفروض ان يكون مستقلا متجردا. لذا يجب التحفظ على المعلومات إذا كنا بصدد قضايا قيد التحقيق وتوجد بين أيدي العدالة لتقول كلمتها فيها، نفس التوجه يجب أن نسلكه في حال قيام لجان تقصي الحقائق بعملها من تجميع وتقاطع ودراسة للمعلومات التي يجب صيانتها وحمايتها وفق ما يتطلب ذلك قانونيا.

تجاوبا مع هذا الحق، يظل تخليق الإدارة المغربية و حكامتها رهين بجعل هذا المطلب الدستوري ممارسة ومعاشا يوميا حقيقيا، لخدمة احتياجات المواطن ولمزيد من المردودية، وذلك بتزويده بالمعطيات و المعلومات متى ما كانت له الحاجة بها، في ظل دستور نطق بأجيال جديدة من الحقوق، لرفع سقف الانتاج ولتحقيق فلسفة التحول الديمقراطي الذي نصبو اليه.

اترك تعليقاً

Share via