في ظل الاستحقاقات التي ستعرفها بلادنا نسلط الضوء على شمولية مفهوم ” المشاركة السياسية” الماهية.. الخصائص.. الأشكال .. الغاية ..

الجزء الأول.

إن طبيعة التنشئة السياسية التي يتلقاها المواطن وطبيعة الثقافة السياسية التي تنهل منها هذه التنشئة يلعبان دورا في فهم المواطن لحقوقه السياسية وأهمها حقه في المشاركة في اتخاذ القرار السياسي، أي أن المشاركة السياسية في الشأن العام هي محصلة لعمليتين سابقتين هما التنشئة السياسية والثقافة السياسية لأنها تعبر عن النضج وتنقل الفرد من دائرة اهتماماته الشخصية إلى دائرة أوسع مرتبطة بالصالح العام والمنفعة العامة.

والمشاركة السياسية داخل المجتمعات وفعاليتها تحيل إلى تقدم أو تخلف هاته الأخيرة، وبالتالي من الصعب إغفال أهمية عملية بحجم المشاركة السياسية في بناء المجتمعات الديمقراطية.

كما أنه كلما زادت مشاركة المواطن في الحياة السياسية، وازداد اندماجا بالنسق السياسي لمجتمعه كلما خفت النزعة العنفوية السياسية لديه.

فمــــــا هو المقـصـــود بالمشـــــاركة السياسية ؟ وما هي خصـــــــائصها ؟

 ومـــــا هــــــــي أشـــكالهــــا ؟

ماهية المشاركة السياسية

إن مفهوم المشاركة السياسية مفهوم حديث، وافد على الثقافة العربية، وعلى الفكر السياسي خاصة، يقال في اللغة العربية « شارك في الشيء بمعنى كان له نصيب »،  فالمشاركة هي ربط بين الفردي والكلي، وعندما نقول مشاركة سياسية ينهب قولنا إلى أن المشارك « المواطن » له نصيب في الشأن السياسي، وأن يشارك المواطن سياسيا بمعنى أن يلعب دورا في الحياة السياسية، لأن المشاركة عمل ايجابي والمشاركة السياسية تفترض وجود جماعة تكون سياستها وما يصدر عنها من قرارات عامة حصيلة إسهامات أفرادها .

إن مفهوم المشاركة السياسية لغة لا يثير أية إشكالية، أما على مستوى الفكر السياسي فانه من الصعب العثور على تعريف ملم بأبعاد مفهوم المشاركة السياسية، وذلك بسبب الربط بين المشاركة السياسية ومفهوم السياسية، وعدم الاتفاق على معنى هذا الأخير« علم السياسة علم الدولة، أم علم السياسة علم السلطة »، مما أدى إلى تعدد التعريفات التي أعطيت للمشاركة السياسية .

ومن أهم تعريفات المشاركة السياسية تعريف « صموئيل هنتنجتون Samuel Hantington » ، و « نيلسون nelson » اللذان عرفاها بأنها « النشاط الذي يقوم به مواطنون معينون بقصد التأثير على عملية صنع القرار الحكومي » .

كما عرفه «  ماك كلوسكي  M.C. Closky » بأنها « الأنشطة الراضية التي عن طريقها يساهم أعضاء المجتمع في اختيار الحكام وفي تكوين السياسة العمومية بشكل مباشر أو غير مباشر » .

وجاء « وينيرWeiner  » بتعريف أكثر مرونة وعرفها بانها « كل عمل إرادي ناجح أو فاشل، منظم أو غير منظم، مرحلي أم مستمر يفترض اللجوء إلى وسائل شرعية أو غير شرعية، بهدف التأثير على اختيارات سياسية أو إدارة الشؤون العامة أو اختيارات الحكام وعلى كل المستويات  الحكومية، محلية أو وطنية ».

كما عرفها« عبد الحق البيض » أنها « نتاج سيرورة الانظمة الديمقراطية التي انبنت على فكرة انفتاح اللعبة السياسية بما يضمن الحظوظ لكافة القوى في التعبير الحر عن مشاريعها، وفي ضمان حق التداول في التدبير السياسي و الاقتصادي والثقافي للمجال العام وفق آليات النظام التمثيلي المعتمد على الاقتراع المباشر والنزيه، فالمشاركة السياسية أداة من أدوات السلوك الديمقراطي الذي يهدف إلى تحقيق اجتماعية الفرد، وإبراز ايجابياته في التعاطي مع شؤونه العامة لخلق ما يسمى بالمواطن الفاعل أو المشارك الفاعل على حد تعبير استيوارت ميل، أو المواطن الصالح على حد تعبير مونتسكو، أو المواطن الجاهز المهتم بالشؤون العامة حسب ايمانويل سيبس ».

أما « سعيد فكاك » فيرى أن المشاركة السياسية هي « كل فعل يتم من خلال مؤسسة ذات طبيعة سياسية خالصة تعمل على التأثير في الرأي العام السياسي، مثل الأحزاب والجمعيات السياسية والصحافة والبرلمان، فلا يكفي أن يشارك مواطن عادي في الاستحقاقات الانتخابية لنقول عنه مشارك سياسي، بل المشارك هو ذلك المواطن الملتزم في إطار ما باختلاف هذه الإطارات ».

كما أن « حسن طارق » يعتقد أن المشاركة السياسية حاصل التحديدات الكلاسيكية تعني « مشاركة المواطن في تدبير الشأن العام ومساهمته في صنع القرار من خلال آليات الاختيار والاقتراح، ومن خلال انتخابات وصناعة رأي عام ووجود صحافة وجمعيات سياسية….. إلى غيرها من الآليات الممكن افتراضها لتحقيق هذه العملية »

طبيعة المشاركة السياسية:

إن تعدد و كثرة تعريفات المشاركة السياسية يثير جدلا حول دلالة العمل السياسي الذي يعني المشاركة السياسية ومدى اعتبار العمل السياسي مشاركة سياسية، واعتبار هذا العمل عملا إراديا لا قسريا.

فبالنسبة للعمل السياسي المؤدي للمشاركة السياسية، فلا يعتبر كل عمل سياسي مشاركة سياسية إلا إذا اثر هذا العمل على السياسة العامة للدولة وعلى عملية اتخاذ القرار السياسي فيها، كما أنه لا يمكننا القول أن السلوك الفردي سلوك سياسي إلا إذا كان هذا السلوك الفردي يؤثر على النسق السياسي أو على المجتمع بشكل عام.

ومن هنا يرى « جان لانجر Jean Langer  » أن السلوك السياسي يعني تصرفات الفرد اتجاه المجتمع السياسي الذي يعيش فيه، وعمل السلوك السياسي مرتبط بمؤسسة لها قواعدها وقيمتها التي ترتبط  بدورها بالثقافة السياسية.

كما أن المشاركة السياسية ليست تصرفا عفويا فرديا، فأي عمل فردي عفوي غير قائم على أبعاد سياسية لا يعتبر ممارسة لمشاركة سياسية حقيقية، لأن المشاركة السياسية تعتبر تفاعلا ثنائيا مقصودا من جهة المواطن السياسي من ناحية، والنسق السياسي من ناحية أخرى، وإذا لم يحدث التفاعل والتأثير المتبادل بين الطرفين يصعب الحديث عن مشاركة سياسية.

كما أن الأعمال الإلزامية والقسرية لا تعتبر مشاركة سياسية حتى ولو كانت أعمالا ذات طبيعة سياسية، فان المشاركة السياسية تتطلب عملا إراديا لكونها تأتي كتعبير عن قناعة وإيمان من المواطنين بأنهم جزء من النسق السياسي.

وعليه فان المشاركة السياسية لا تنفصل عن الوعي السياسي المتحصل بالتنشئة السياسية ولا تنفصل عن الثقافة السياسية للمجتمع، كما أنها إرادة في التغيير و إحساس من المشارك بأنه جزء من الدولة وان هذه المشاركة حقا من حقوقه السياسية وعن طريقها يستطيع المواطن أن يغير سياسة الدولة وتوجهاتها العامة.

إن تأثير المشاركة السياسية على السياسات العامة للدولة تشعر المواطن بالطمأنينة والقدرة على التأثير على مجريات الحياة السياسية في الدولة، كما عن طريقها يتوصل الأفراد إلى تحقيق مطالبهم السياسية والاجتماعية، فهي « المشاركة السياسية » بالنسبة للمواطنين لها وظيفة التعبير عن الحرية الشخصية للأفراد.

إن المشاركة السياسية لها نسق وظائفي، فهي بالنسبة للنسق السياسي تدعم النسق وتضفي عليه مظهرا ديمقراطيا، وتشرعن قراراته، وتقوي مرتكزا ته الشعبية.

أشكال وخصائص المشاركة السياسية:

 

                                                 خصائص المشاركة السياسية:

للمشاركة السياسية عدة خصائص، أهمها:

  • المشاركة السياسية تستلزم الاهتمام، المناقشة، والدافع : حتى يكون الفرد مشاركا يجب أن يهتم بالأمور السياسية العامة، ويساهم في النقاش الدائر حولها، ويكون لديه حافز أو دافع حتى يشارك في الحياة السياسية.
  • المشاركة السياسية فعل سياسي نشيط: فهي ليست مجرد اتجاه أو اعتقاد ، ومنطق المشاركة يفرض بذل الجهد المستطاع للوصول إلى القرارات والقوانين المعبرة عن حاجات المجتمع والقادرة على حل مشاكله الداخلية والخارجية.
  • المشاركة السياسية تستلزم المبدأ : بحيث أن المشاركة السياسية لا تكون بدافع المصلحة الشخصية، بل تكون إيمانا بمبدأ يرتبط بالمصلحة العامة.
  • المشاركة السياسية هي عملية اختيارية طوعية: وليست إجبارية إلزامية، حيث أن البعض يشارك والبعض لا يشارك، فهي تقديم جهود المواطنين طواعية وباختيارهم تحت شعورهم القوي بالمسؤولية الاجتماعية اتجاه القضايا والأهداف العامة لمجتمعهم وليس تحت تأثير أي ضغط أو إجبار مادي أو معنوي .
  • المشاركة السياسية تستلزم المعرفة، أن تكون مشاركة الفرد بناءا على هذه المعرفة ونابعة من قناعة بسياسة معينة أو معارض لسياسة معينة.
  • المشاركة السياسية تستلزم الرشد،بمعنى أن يكون الفرد فاعلا ناضجا يعرف كيف يتصرف، على سبيل المثال تحديد سن الرشد للمشاركة في الانتخابات.

 أشكال المشاركة السياسية:

تختلف أشكال ومظاهر المشاركة السياسية، فمن الجهة الأولى هناك من يصنف أشكال الممارسة السياسية بشكلين وهما :

أولا: مشاركة مؤسساتية، ومشاركة منظمة، ومشاركة استقلالية« انفرادية » .

  • المشاركة السياسية المؤسساتية أو المشاركة السياسية الرسمية،،، وهي سعي القائمين على النظام إلى تحقيق الدوام والاستقرار والاستمرار للكيان السياسي الرسمي، فالملوك والرؤساء والوزراء وكتب الدولة والمسئولين بمختلف أشكالهم يسعون إلى الحفاظ على نسقهم السياسي وتثبيته من خلال المشاركة السياسية الفعالة من أجل تحقيق ذلك.
  • المشاركة السياسية المنظمة،،، تكون هذه المشاركة في إطار مؤسسات أو تنظيمات قائمة تشكل حلقة الوصل بين المواطن السياسي والنظام السياسي، فهذه المؤسسات أو التنظيمات تقوم بتجميع المطالب الفردية للمواطنين وتحويلها إلى اختيارات سياسية عامة، ومن أمثلة هذه التنظيمات « الأحزاب السياسية، النقابات، وجماعات الضغط »
  • المشاركة السياسية المستقلة أو الفردية،،، وهي تمنع الفرد بحرية المشاركة من عدمها، وحرية تحديد نوع المشاركة.                                                                                                                                                علي بوشنة
  • الكاتب الجهوي لمنظمة الشبيبة الدستورية بجهة العيون

اترك تعليقاً

Share via