مقال رأي : أخلاقيات العمل السياسي في الخطاب الملكي
في غمرة احتفلال الشعب المغربي بذكرى 17 لعيد العرش المجيد ، جاء خطاب جلالة الملك كتوضيح و شرح للعلاقة المؤسساتية و الدستورية القائمة بين المؤسسة الملكية و الاحزاب السياسية بنخبها و سياسييها ، لسوء فهمهم و عدم ضبطهم للمعايير التي يمكن فيها اللجوء الى الملك بالاستناد الى الفصل42 من دستور 2011 ، لما لها من مقومات و أسس دستورية واضحة في اطار التحكيم كالية دستورية من اختصاص جلالته ،الا انه لايمكن توظيف اسم الملك على عوانه في جميع اللقاءات و التجمعات الحزبية و حتى في البرلمان كمؤسسة تشريعية بتغليب للتهور و الاندفاع والمزايدات السياسوية و الاختباء بعدم التحمل للمسؤولية في اطارها المحاسباتي، وفي غياب الاحترام الواجب لشخص الملك “…فشخص الملك ، يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي. وعلى جميع الفاعلين مرشحين وأحزابا تفادي استخدامه في أي صراعات ا نتخابية أو حزبية…”
فالخطاب بمايحمله من حمولة رمزية و قانونية و مفاهيمية يجب الوقوف عنده من أجل استقرائه في سياق استعدادات الاحزاب المغربية لخوض غمار الانتخابات التشريعية 07 أكتوبر 2016 ، كما قال جلالته “… فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب…”. أعطى جلالته مفهوما ” للعمل السياسي” للاحزاب بالمغرب بناء على “مبادئ و أخلاقيات” تقوم من وجهة نظرنا التحليلي للخطاب الملكي على محورين أساسيين لتخليق العمل السياسي بالمغرب :
المحورالاول : الاحزاب كتنظيمات منتجة للممارسة و الخطاب السياسي و النخب :
فطبقا لاحكام الفصل 7 من دستور 2011 تعمل الاحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينھم السياسي، وتعزيز انخراطھم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساھم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ﻣمارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية “، بالوقوف عند تشخيص واقع أحزابنا تجد بعضها تنتج خطابا اقل ما يمكن ان يقال عليه شعبوي ليس كما هو بالمفهوم السليم عند ساسة أمريكا الاتينية بتبسيطه للمفهم و القرب من عموم القاعدة الجماهيرية للحزب، وانما في المغرب بسوء استغلال المصطلحات و التوصيفات في سياق التراشق السياسي و سوء استغلال لاسم الملك في استمالة للناخبين بعيدا عن التنافس السياسي، بناء على برامج و انتقاد للسياسات العمومية التي وضعتها الحكومة خلال ولايتها ،ومدى قوة الاداء من عدمه للبرلمانين كممثلين للامة.
فخطاب جلالته مناسبة كماقال “… فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها… “، بحيث يجب أن تعيد الاحزاب النظر في دورها الذي “…تجعل من الانتخابات الية للوصول لممارسة السلطة … “، الى تأطير المواطنين و بخاصة الناخبين وانتاج النخب ” …لتقديم مرشحين ، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة ، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن…” ،لان ” …تمثيل المواطنين في مختلف المؤسسات والهيآت، أمانة جسيمة فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحرص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار…”، كما يدعو الاجزاب الى تحكيم التنافس والتدافع السياسي السليم بناء على موقع كل منها أغلبية / معارضة، و ذلك بأن تعمل “أحزاب الأغلبية” بالدفاع عن حصيلة عملها خلال ممارستها للسلطة، في حين يجب على “أحزاب المعارضة ” تقديم النقد البناء واقتراح البدائل المعقولة في إطار تنافس مسؤول من أجل إيجاد حلول ملموسة ، للقضايا والمشاكل الحقيقية للمواطنين،ممايدفع بها الى تطويرها للعمل السياسي و الفعل الحزبي بالكف عن ممارسات تبعث عن الاستغراب،وتتنافى مع “…مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي…”، باطلاق تصريحات وعبارات تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين، نحو خطاب وممارسة تتسم بالرزانة و المسؤولية و تقدير مصلحة الوطن فوق الرغبة في الوصول الى السلطة، أوكما قال جلالته ب” …الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة…” ، يتضح ذلك جليا بكل الوسائل و الاساليب و”… التصرفات والتجاوزات الخطيرة، التي تعرفها فترة الانتخابات، والتي يتعين محاربتها، ومعاقبة مرتكبيها…” باحتكام كل الاحزاب معارضة وأغلبية الى المؤسسات و أن يتحمل كل من موقعه مسؤوليته في اطار “اقتران المسؤولية بالمحاسبة ” حيث قال جلالته في خطابه موضحا “… أن الإدارة التي تشرف على الانتخابات تحت سلطة رئيس الحكومة، ومسؤولية وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، مدعوة للقيام بواجبها، في ضمان نزاهة وشفافية المسار الانتخابي، وفي حالة وقوع بعض التجاوزات، كما هو الحال في أي انتخابات، فإن معالجتها يجب أن تتم طبقا للقانون، من طرف المؤسسات القضائية المختصة…”.
و نظرا لما هي عليه جل الاحزاب، فان الخطاب الملكي يعيد انتاج الادوار من جديد بين المواطن و الحزب، و ذلك باعطاء للمواطن مكانته من داخل الفعل السياسي و التنظيمي، بالقطع مع كونه(المواطن) مجرد أدات انتخابية ووسيلة لبلوغ السلطة الى صاحب القرار و هذا ما سأتناوله بالتحليل في :
المحور الثاني: المواطن الناخب كمصدر السلطة :
فقد جعل الخطاب الملكي لذكرى 17 لعيد العرش المجيد ، من المواطن الناخب في صلب العملية الانتخابية من الاحزاب و المرشحين ، انطلاق من القدرة على تملك القرار و الاختيار في اطار الممارسة الديمقراطية الحرة و النزيهة بعيدا عن أساليب المشبوهة لاستمالة صوته باعتباره كما جاء في خطاب جلالته “… هو مصدرالسلطة التي يفوضها لهم… ” استنادا الى الفصل 2 من دستور المملكة 2011 الذي أعطى السيادة للامة بصفة مباشرة ،او غير مباشرية بواسطة ممثليها في المؤسسات المنتخبة ” .
كما أصبح للمواطن ” سلطة محاسبتهم أو تغييرهم ، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم” انطلاقا من المشاركة السياسية و ممارسة حق الانتخاب و التصويت باعتبارهما اليتين للمحاسبة و التغيير تفرزها صناديق الاقتراع بمسؤولية الناخبين في حسن اختياراتهم “… بضرورة تحكيم ضمائرهم ، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين ، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها…” من اغراءات المال و استغلال اسم الملك في هكذا مناسبات .
كانت اشارات واضحة من جلالته في خطاب العرش من أجل تأصيل وتكريس أخلاقيات العمل السياسي الحزبي بالمغرب في اطاره السليم لارجاع الثقة في الفاعل السياسي و تشجيع المواطن على المشاركة السياسية و الانخراط الجاد و المسؤول للسياسين، و بمسؤولية في المساهمة في تطوير أداء الحكومة والمعارضة ،و انتاج برامج تعبر عن الارادة الحقيقة نحو تنمية و تقدم البلاد ضمن البلدان الصاعدة في اطار سياسات عمومية ، وبأن “التقدم السياسي”، مهما بلغ من تطور، فإنه سيظل ناقص الجدوى، ما لم تتم مواكبته بالنهوض بالتنمية بما تخدم مصلحة البلاد و سمعة المملكة بالخارج و تعكس الخيار الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب من خلال دستور متقدم وجب العمل كأحزاب و حكومات و مجتمع مدني و مواطنين بتفعيله و تجسيده على ارض الواقع .
ذ . ربيع الطاهري
كاتب المحلي لحزب الاتحاد الدستوري بالقصر الكبير
ماستر القانون العام “تدبير الشأن العام المحلي”