مقال رأي: المفهوم الجديد و المتجدد للسلطة كمذهب الحكم في الخطاب الملكي
بعدد ثلاثة اشهر من تربع الملك محمد السادس على عرش اسلافه، حرص جلالته على وضع الاطار المرجعي و الفلسفي لطبيعة الحكم في القادم من السنوات حكمه ، مع ترسيخ دولة الحق والقانون وتعزيز الديمقراطية وضمان نجاح الانفتاح الاقتصادي للعهد الجديد ،بمقاربة تعطي مفهوما جديدا للسلطة بعيدا عن السلوكات الماضاوية،و اساليب رجال السلطة التي كان يحكمها التسلط و الخطاب الفوقي، و الهواجس الامنية،الى اشراكهم في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، بالتدبير للامتمركز للاستثمار،مما جعل هذا المفهوم يعرف مراحل من انتاج للمفهوم و تكريسه على ارض الواقع، جديد متجدد وفق الظرفية ، وفق فلسفة في الحكم، مما يعطي للباحث والمتتبع للخطب الملكية ،ان هذه النظرية مرنة في اطار ضوابط واضحة تحكمهاعلاقتها(النظرية) بالمواطن باعتباره في قلب اهتمام جلالته.
أولا: المفهوم الجديد للسلطة لسنة1999:
حيث أكد جلالته” على أن المفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه، في خطابنا المؤسس له، بالدار البيضاء، في أكتوبر 1999، يظل ساري المفعول،فهو ليس إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، أو مقولة للاستهلاك، وإنما هو مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه،كما أنه ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية”(1).
فالمفهوم يرتكز على مختلف مهام ومسؤوليات السلطة، التي أصبحت تقوم على ضمان حماية الحريات الفردية والجماعية ،وصيانة حقوق المواطنين، واتاحة الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق والقانون ،فهو ليس بسيطا أو مجرد كلام فاه به رئيس الدولة(2) ، كما يرتبط المفهوم الجديد للسلطة برعاية وحماية المصالح العمومية ومتابعة حسن سير الشؤون المحلية عن قرب ، والسهر على الأمن والأستقراروتشجيع المحافظة على السلم الاجتماعي (3)،انها نظرية في فلسفة الحكم تعتمد قرب رجل السلطة من المواطن و صيانته وحمايته و اشراكه في التدبير ، نظرية صاغها جلالته كما قال “نحن من حضر للمفهوم الجديد للسلطة الذي لم يبق منه اليوم الا استعمال المفهوم “،للاسف ما فتئ يذكر في خطبه بالمفهوم من أجل تكريس ممارسته على ارض الوقع ، باعتبارجلالته “ساهرا و حريصا على حسن تفعيله، من طرف كل ذي سلطة، بالآليات القانونية للمتابعة والمحاسبة والجزاء وذلك في ظل القضاء النزيه” مرهذا المفهوم في نظرنا التحليلي بمراحل تتباين فيها النتائجه:
من مفهوم للسلطة الكلاسيكي الى المنفتح على المواطن وجعله في قلب اهتمامات رجل السلطة
الى مفهوم “يندرج هذا النهج في اطار انسجام متناسق مع مفهومنا المتجدد للسلطة بجعلها في خدمة الاستثمار باعتباره اداة نمو متميزة “(4)، بناء على التدرج و الواقعية في اطار الجهوية للمجال الترابي و الاداري نظرا لما للادارة الترابية حاليا من وسائل لحل المشاكل المتعلقة باجراءات الاستثمار قرار لوزير الداخلية بتفويض السلطة الى ولاة الجهات 05مارس 2002(5)
و من رجل السلطة بمفهوم التقليدي الى كل من يتبوء موقع المسؤولية حتى منها النيابية والقضائية
ثانيا: المفهوم المتجدد للسلطة لسنة 2016 :
تطوير لفلسفة الحكم وممارسة السلطة فان المفهوم خلافا لما كان عليه قبل ،جاء في الخطاب الملكي للذكرى 17 لعيد العرش المجيد متجددا يقوم على اليتين متجددتين لمفهوم السلطة من اجل تكريسه على ارض الواقع في :
- المساءلة و المحاسبة :
حيث قال جلالته في خطاب العرش الاخير30يوليوز 2016أن “مفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها ” و فسر جلالته ان المفهوم المتجدد لمفهوم السلطة يستقيم بالنسبة للرجال السلطة و المؤسسات العمومية و النيابية على ” المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القانون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين(6)
فاضحى المفهوم المتجدد للسلطة مقترن بالمساءلة و المحاسبة في تحسين للاداء و تطوير للمفهوم من مجرد التموقع في الكراسي و اعطاء الاوامر و اصدار القرارات، بل الى المساءلة و المحاسبة كجزء لايتجزأ من ممارسة السلطة او الاضطلاع بالمسؤولية سواء في علاقة رجل السلطة مع المسؤولية، او في علاقته بالمواطن، وذلك بالاحتكام الى المؤسسات و القانون ، كل هذا من اجل محاربة الفساد الذي اصبح مرادفا و ملازما هو الاخر للسلطة كمفهوم متجدد.
ب- محاربة الفساد:
حيث عتبر جلالته في خطابه للعرش الاخير “أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله : في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد(7).
فالفساداعتبره جلالته في خطابه” ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع.”،انها رسالة قوية الى الهيئات السياسية بعدم الاستغلال البشع لمصطلح الفساد و استهلاكه بشكل يستطيع معه السياسي استمالة اصوات الناخبين، حيث ان الفساد كماقال جلالته “وهنا… لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدا ت”، و ليس قدرا محتوما، كما انه لايجب التعامل معه على انه شيء عادي، باعتبار ان ممارسة السلطة وتقلد المسؤولية بالمفهوم المتجدد و الاحتكام للالية المساءلة و المحاسبة يجعلها تساهم في تقليص الفساد و محاربته كأمرمعقول، الا أن “لا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أ كثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خاج إطار القا نون، فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضر ب بقوة على أ يدي المفسد ين،والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة”(8)
فالمفهوم المتجدد للسلطة انتقل من تكريس للمفهوم الى أجراءته بالتزام ،بناء على نتائج ممارسته و مدى النجاعة و الفعالية في تحسين شروط اداء الواجب و تقلد المسؤولية ،في المحافظة دوما على ضوابط دولة الحق و القانون و صيانة الاختيار الديمقراطي و حماية حقوق و حريات الافراد كمفهوم صاغه جلالته كمذهب للحكم يعتمد الفعالية ،و الالتزام، و الاستمرارية، و الشمولية، و الالزام، لكافة مكونات و مؤسسات الدولة كل من موقع مسؤوليته المنوطة به دستوريا و قانونيا.
ذ:ربيع الطاهري
ماستر “القانون العام” تدبير الشأن العام المحلي
الكاتب المحلي لحزب الاتحاد الدستوري
فرع القصر الكبير
الهوامش: