مقال رأي: واجب التعفف

العمل من أجل الوطن و استمراره، الإشتغال من داخل هياكله و ميكانيزماته، خدمة الدولة أو خدمة الأمة كما يحلو لبعضنا أن يصفها  ” عسى مفهوم هذه الدولة ينطبق على المفهوم البديهي للوطن، وطن يتسع لجميع الطاقات و الكفاءات و يخدم جميع الطبقات ”، كلها مفاهيم و اصطلاحات تحيل إلى محصلة واحدة و هي ضمان استمرارية الوطن، وطن استأمنه علينا أبناءنا و أحفادنا كما استأمناه من قبل  آباءنا و أجدادنا فحفظوه و صدقوا العهد حتى قضوا نحبهم و هم من الزاهدين.  أي نعم، حفظوه و بذلوا في خلوده أموالهم و دمائهم، ذادوا عنه وفقا لصبغة وطنية مجاهدة، صبغة حكمها و يحكم المنتسبين إليها ميثاق أخلاقي غليظ، ميثاق سلوكي قويم، أوله قسم بين يدي السلطان و آخره سؤال بين يدي العليم الديان.

خدمة الدولة لم تكن يوما على عواهنها بل كانت و لا تزال  بأدبياتها التي يجب أن تُحترم، ونظمها التي يجب أن تُلتزم، ولوائحها السلوكية التي لا بد من التقيد بها، كواجب التحفظ و كتمان الأسرار و صونها، و واجب التجرد و الإستقلال عن شبهات المحابات و التبعية بأشكالها، و هما ركيزتان  أي التحفظ و التجرد، رئيستان لا غنى عنهما، سمت بهما أهميتهما ليأخذا مكانا عليا من متون الدستور المغربي، و الحديث هنا عن الفصل 111 المتعلق بالقضاء. ينضاف للركيزتين السابقتين ركيزة أخرى يكتمل بها ثالوث الطريقة المخزنية النبيلة، و هو “واجب التعفف” و ما يحيل عليه من زهد في المال و تورع في الأعمال و امتناع عمَّا لا يحقُّ ولا يليق بمقام و حساسية المسؤولية، و لا مراء في أن التعفف  من الواجبات الأساسية و صفة من الصفات المبدئية للعمل الوطني الذي لا يستقيم في غيابه عمل، ولا يستقر بدونه نشاط، ولا يتقدم بفقدانه مشروع، ولا ترتقي بدونه مؤسسة، و هذا الثالوث لا يهم مسؤولية دون أخرى، كما لا يستثنى من فروضه نفرًا دون آخر، و لا هيئة دون غيرها.

الظرفية تقتضي التعفف و التحفظ و التجرد، كما تستوجب التركيز بشكل كبير على تخليق الإدارة و المرفق العام، و ذلك من خلال تحيين هادف و سريع لديونتلوجيا المسؤوليات الوطنية كلها بما يضمن تجسيد التوجهات المولوية السامية لصاحب الجلالة في ما يخص إصلاح الإدارة و تطهيرها من مختلف مظاهر التراخي ” Le Relâchement ” و الفساد.

نتعفف ليحيا الوطن، نتجرد ليحيا الوطن، نموت و يحيا الوطن  … حتى يستمر الوطن.

جمال زورار

عضو المكتب الوطني لمنظمة الشبيبة الدستورية

رئيس المرصد الوطني للحكامة و التنمية

اترك تعليقاً

Share via