الفردوس يكتب : الشوط الثالث… والأشواط الإضافية

الفردوس يكتب : الشوط الثالث… والأشواط الإضافية

بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //

بإعلان رئيس الحكومة تمديد حالة الطوارئ الصحية للمرة الثالثة ولمدة ثلاثة أسابيع إضافية، تدخل بلادنا شهرها الثالث من الحجر الصحي، وتدخل في الآن نفسه جولة جديدة من المعركة ضد فيروس كورونا تقترب من حسمها لصالح جهود الإنقاذ والحماية التي تقودها سلطاتنا الصحية والأمنية بعزيمة راسخة على إبقاء الخطر الوبائي عند حدوده الدنيا، في انتظار القضاء النهائي عليه، حال حصول مستجدات في ميدان البحث العلمي الطبي لإيجاد العلاجات أو اللقاحات المضادة للفيروس.

ما يهم في حديثنا عن دخولنا الجولة الثالثة من تمديد الطوارئ والحجر الصحيين، هو أننا سنقتحم ابتداء من اليوم شوطا ثالثا حاسما للخروج بعده بنتيجة نهائية وقاطعة عن مصير الوضعية الوبائية ببلادنا، سيكون لها ما بعدها، فإما رفع لحالة الطوارئ وعودة الانتعاش للاقتصاد الوطني والتعافي التدريجي لنسيجنا الاجتماعي، أو الدخول في أشواط إضافية للعبة لا تكاد تنتهي بنتيجة حاسمة تذكر، جراء عدم التزام مجموعة من المتهورين بإجراءات الحجر الصحي والتدابير الاحترازية والوقائية المقررة، وتحديهم للجميع بإسهامهم في رفع مؤشرات الإصابة بالفيروس، وخفض الأمل في الخروج من دوامة الحجر الصحي.

فلا تكاد جهود المراقبة والتتبع والحماية تسيطر على بؤر للوباء، حتى ينقله المتهورون إلى غيرها من البؤر، ويعيدوه إلى سيرته الأولى المنذرة بالفقدان النهائي للسيطرة، مسفهين بذلك كل الجهود المبذولة، ومبخسين كل الالتزامات التي يواصل أغلبية المواطنين التمسك بها.

إن هذه القلة من المتهورين، والمتهاونين بشأن مسؤولياتهم وواجبهم الوطني في هذه الظرفية العصيبة من تاريخ وطنهم، تجعل سلوكاتهم جرائم، بل خيانات في حق هذا الوطن، وإضرارا بمصالحه، باصطفافهم في خندق عدو يتربص بهم وبوطنهم الدوائر، وتعزيزهم استطالته وتطاوله على أمن وسلامة البلاد والعباد.

ينبغي إذا أن يكون هذا الشوط الثالث من الحجر الصحي فرصة أخيرة أمام الجميع، لمزيد انضباط المنضبطين، وحزم الحازمين، ولمزيد ردع خارقي حالة الطوارئ الصحية، ولمضاعفة الجهود الصحية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية في مواكبة الوباء والحد من تداعياته، وفرصة أخيرة أيضا أمام المتهورين للإقلاع عن ممارساتهم وسلوكاتهم غير المواطنة وغير المدنية، التي ترفض الالتزام بقواعد الاحتياط والوقاية من الإصابة بالداء أو نقله.

ولأننا قد استخلصنا جميع الخلاصات اللازمة في الشوطين الأول والثاني من الحجر الصحي، في تعرف الخريطة الهندسية والحسابية لانتشار الوباء، وفي ضبط امتداداته، فإن علينا رفع درجة التأهب واليقظة، خصوصا بعد أن تبين أن أماكن التجمعات والكثافات من محلات عمل ومصانع ومتاجر وأسواق…هي التي باتت المهدد الأول برفع أعداد المصابين ونسب الإصابة، بالنظر إلى الانفلاتات التي تشهدها جراء عدم احترام إجراءات التباعد الاجتماعي، وعدم الاستعمال الصحيح للكمامات، وانعدام النظافة والتعقيم والتطهير…وغير ذلك من شروط الوقاية والسلامة.

إن إخضاع هذه الأماكن للرقابة الصارمة والتتبع الدقيق وحث بنياتها الاستقبالية على الوفاء بالتزاماتها في سياق استثنائها من الإغلاق وحظر أنشطتها، بات يفرض نفسه لما تشكله من بؤر للتفشي السريع للوباء، وتعريض ليس مرتاديها فحسب، بل المنظومة الصحية الوطنية برمتها للفشل والانهيار، والتسبب في خسارات اقتصادية واجتماعية متصاعدة، لم نحص أرقامها بعد في غمرة تصاعدها وعدم استقرارها.

أمامنا فرصة لاسترداد زمام التحكم التام في أرقام الإصابات بالفيروس، والتحكم بالتالي في تداعياته الاقتصادية والاجتماعية، بزيادة منسوب التوعية والتعبئة والتضامن في هذا الشوط الثالث من الحجر الصحي، وبمزيد من دعم صمود الفئات الاجتماعية الهشة والمعوزة، وبمزيد من تغذية موارد الصندوق الخاص بتدبير آثار هذا الوباء، وبمزيد من ضبط الانفلاتات والمخالفات، وردع السلوكات التي تخرق حالة الطوارئ الصحية، حتى تتضح لجهات القرار، بعد انتهاء فترة التمديد الجديدة، الصورة المستقرة للوضعية الوبائية ببلادنا، والتي تسمح معطياتها الإحصائية ومؤشراتها بإعلان رفع الحجر الصحي ورفع حالة الطوارئ، والإعلان بالتالي عن انتصار المغاربة لا على الوباء في صفوفهم فحسب، بل انتصار روح المسؤولية والمواطنة والحس الوطني والإنساني على نزعات التهاون والفوضى واللامبالاة.

إن قرار تمديد حالة الطوارئ الصحية لشوط ثالث وإضافي، ليس نزهة أو رؤيا منام، بل هو قرار مؤلم وقاس، اتخذ على أعلى مستوى من اليقظة والرصد، وبعد استشارات جماعية وتقديرات وترجيحات بالغة الحساسية، نعلم أنه سيزيد من تضييق الخناق على الدينامية الإنتاجية الوطنية، وسيزيد من تقييد حركية المجتمع ونشاطات المؤسسات، واستنزاف الجهود، لكنه الحل الوحيد الممكن في هذه المحنة، لتجنيب وطننا ومواطنينا ما هو أشد قسوة وإيلاما، ألا وهو وقوع ضحايا بالآلاف، والعصف بالإجراءات الاستباقية والاحترازية المتقدمة، والتسبب في انهيار كل الحصيلة والمكتسبات الإيجابية لمنظومتنا الصحية والأمنية التي نجحت في التحكم في تفشي الوباء وتداعياته ومؤشرات إصاباته ونسب فتكه، ورفعت من حالات التعافي والشفاء والأمل.

اترك تعليقاً

Share via