الدكتورة فوزية البيض تعرض التجربة المغربية حول إلغاء مادة زواج المغتصبة “من العنف إلى الحماية القانونية” في أشغال مؤتمر إقليمي بعمان. 

بالعاصمة الاردنية عمان، الدكتورة فوزية البيض تشارك في فعاليات المؤتمر الاقليمي السنوي الذي عقدت أشغاله في 11 و12 كانون الأول / ديسمبر 2016 بقاعة المؤتمرات بفندق ريجنسي بعمان، بشراكة بين مؤسسة “المساواة الأن”، من أجل  عالم عادل للنساء والفتيات و”ائتلاف البرلمانيات من الدول العربية لمناهضة العنف ضد المرأة” حول الغاء المواد الخاصة بافلات المغتصب من العقاب في حال تزوج من الضحية، بدعم من مؤسسة وستمنستر للديمقراطية، تحت شعار “نحو الغاء مواد الإفلات من العقاب في قوانين العقوبات في الدول العربية”.
أشغال المؤتمر النسائي صادفت الذكرى السنوية لليوم العالمي لحقوق الإنسان، حيث كانت مناسبة للتنديد بالعنف ضد المرأة وعدم المساواة بين الجنسين والحيف الذي يطال نصف المجتمع في ظل ثقافة ذكورية تنبني على الإقصاء الممنهج، ناهيك على بعض الاحكام القضائية التمييزية التي لا زالت تنطق بها بعض المحاكم في العالم العربية، إلى جانب النطق ببعض الأحكام المخففة على المعتدين.
image-4
في معرض مداخلتها التي قدمت فيها التجربة المغربية التي تعتبر رائدة، إلى جانب التجربة المصرية، أشارت فوزية البيض إلى أن المادة 475 من قانون العقوبات كانت تنص على عقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات لمن “يخطف أو يخدع” قاصرا “دون عنف أو تهديد أو احتيال، أو محاولات للقيام بذلك”.
وأشارت على أن الفقرة الثانية من هذه المادة تنص على أنه عندما يتزوج الجاني الضحية، “فإنه لم يعد من الممكن تقديمه للمحاكمة إلا من قبل الأشخاص المخولين بالمطالبة ببطلان الزواج، على أن يحدث ذلك عقب الإعلان عن إنهاء الزواج”. وهذا يمنع فعليا النيابة العامة من تعقب اتهامات الاغتصاب بشكل مستقل.
وهي المادة التي أثارت انتقادات لم يسبق لها مثيل في البلاد، ولاسيما عقب إقدام أمينة الفيلالي الفتاة ذات 16 ربيعا على الانتحار عام 2012 بعد إرغامها على الزواج من مغتصبها. الضحية اتهمت شخصا، كان آنذاك في الخامسة والعشرين من عمره تقريبا، بالاعتداء عليها جسديا بعد الزواج، وهو الأمر الذي نفاه الزوج. وبعد سبعة أشهر من الزواج، انتحرت الفيلالي عن طريق تناول سم الفئران.
أثارت قضية انتحار الضحية تعاطف الرأي العام المغربي، كما حظيت بتغطية إعلامية واسعة وأشعلت احتجاجات كبيرة في العاصمة المغربية بالرباط ومدن أخرى. كما وضحت في معرض عرضها على أنه في بعض المناطق الريفية المحافظة في المغرب، ينظر إلى الفتاة أو السيدة غير المتزوجة التي تفقد عذريتها، حتى عن طريق الاغتصاب، على أنها تجلب العار لعائلتها وأنها غير مناسبة للزواج. وترى بعض الأسر أن الزواج من المغتصب يعالج هذه المشاكل ويغلق باب القيل والقال.
image-2
كما قدمت التجربة المغربية ومراحل الترافع داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان المغربي حتى التصويت بالإجماع على تعديل هاته المادة المثيرة للجدل في قانون العقوبات والتي كانت تعفي مغتصبي الفتيات القاصرات من الملاحقة القضائية إذا قبلوا بالزواج منهن. لم يفت الدكتورة فوزية البيض أن تشير إلى يقضة وفاعلية عمل الجمعيات الحقوقية المغربية التي راكمت تجربة كبيرة وتساير التشريعات وتقدم مذكرات ترافع وتضغط بشكل مكثف للمطالبة بحماية أفضل لضحايا الاغتصاب، حيث أصبحت حسب دستور2011 للمملكة شريكا استراتيجيا، لكنها لا يمكن أن تكون بديلا عن الأحزاب التي يشتغل من يمثلها داخل المؤسسة التشريعية، تشرع وفق الإختصاصات الموكولة لها لحاجة المجتمع، وعليها أن تقوم بمراجعة شاملة للقانون الجنائي لكي يلائم الاتفاقيات والتزامات المغرب الدولية ووضع الشريك من أجل الديمقراطية الذي يحظى به في مجلس أوربا.  
هذا ونوهت الدول المشاركة وممثلوا المنظمة الدولية “المساواة الآن” بالخطوة المتقدمة التي خطاها المغرب حيث اعتبرته رائدا وانه على الدول الأخرى حذف مواد تزويج المغتصبة والتي تعود إلى العهود البائدة. كما اعتبرت الدكتورة فوزية البيض أن ما أقدمت عليه لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان، والبرلمان الذي صوت بالاجماع على الغاء المادة 475 بالمغرب، خطوة مهمة لكنها يجب أن تتبعها خطوات أخرى تعبر عن رغبة الفاعل السياسي، لتعزيز المساواة بين الجنسين وحماية المرأة ومنع زواج القاصرات في بلداننا العربية لأن مكان الطفلات هو في المدارس وليس في حضن أزواج يغتصبون البراءة باسم القانون.
image-1
كما أكدت على ضرورة الاشتغال على خلق العديد من جمعيات المجتمع المدني في الوطن العربي وتوسيع دائرة حضورها في فروع لتغطي المناطق النائية حيث تنفلت الرقابة وتقل وسائل الحماية لدعم ضحايا العنف من النساء، وهو ما اعتبرته خطوة مهمة للغاية، لكن يجب ان يستمر النضال من أجل تعديل شامل لقانون العقوبات خاصة المواد التي تتعلق بالنساء. وتبادل الخبرات بين الدول العربية من أجل مراجعة التشريعات لإزالة القاموس التمييزي، وتقليص الفجوة الجندرية، حيث في اطار الدراسات المقارنة بين بعض مواد القوانين العربية ذات الصلة التي تم تقديمها من طرف ممثلات بعض الدول من البرلمانيات و ناشطات نسويات من جمعيات المجتمع المدني في كل من العراق، الأردن، البحرين، فلسطين ولبنان التي تمزقها الطائفية، تتحدث عن الحماية وليس العقاب، كما تنتشر فيها ما تسمى بجرائم الشرف وحفظ العرض التي يلقى فيها مرتكبوها تخفيفاً في الأحكام، وهو ما اعتبره المؤتمرون نوع من أنواع الإفلات من العقات واستهتار بدولة الحق و القانون، كما اعتبروا صدور أحكام تمييزية تحمل في طياتها ثقافة بائدة تضرب في الصميم المباديء الأساسية لحقوق الانسان كما هي متعارف عليها كونيا والتي وردت في الاتفاقيات المصادق عليها من طرف الامم المتحدة. 
دعت الدول المشاركة في اعلان بيانها الختامي الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الى دعم وإغناء مضمون الاتفاقية العربية التي تم تقديمها في مقر الجامعة العربية بقسم المرأة والشؤون الاجتماعية بتنسيق مع ائتلاف البرلمانيات العربيات إبان أشغال مؤتمر السياسيات العربيات الذي عقدت أشغاله في العاصمة المصرية في أواخر شهر نونبر الماضي، والتي تدعو الى محاربة جميع اشكال العنف ضد الفتاة والمرأة. كما دعت الدول المشاركة حكوماتها وبرلماناتها إلى تشجيع المبادرات التشريعية والانكباب على مراجعة شاملة للترسانة القانونية لبلداننا بما يتلائم والاتفاقيات الدولية الموقع عليها لأن جوهر التغيير الاجتماعي يبدأ بالتغيير القانوني والإرادة السياسية لإنفاذ القانون.

اترك تعليقاً

Share via